للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جدًا، فأرْسيْنا على الملّاحة من أرض قبرص يوم الأحد ثاني عشريه فوافانا بها فيه من كان ذهب إلى طرابلس، فكان ذلك من غرائب الاتفاق.

"ثم رحلنا يوم الثلاثاء مستهل جمادى الأول واستَبطَأنا الشاميون وكانوا على اللمسون، فلاقونا بين الملّاحة واللمسون فأرْسينا هنالك وقد تم عدد المراكب ثمانين ما بين أغربة وحمالات ومربّعات وزوارق وسلالير سوى ما يتبعها من القوارب.

"ثم سرْنا ليلة الأربعاء ثانيه فأرْسيْنا على اللّمسون في آخر نهارها فوجدنا أميرها قدْ رحل بأهلها وأمتعتهم فحكم أصحاب الأغراض الدّنيوية - وهم غالب الناس - عليهم بنقض العهد وأفتاهم بذلك من تسمّى باسم الطلب ممَّن لم ترسخ قدمه في العلوم الدينيّة ولم تَعْلُ ممارسته للسنة النبويّة، ولا اتسَعت معارفه في الأحوال الحربية والسياسات الشرعية وتشبثوا بما لا تمسّك فيه، فاشتدَّ الأذى، وعظم الخطب، فسعوا في تلك الأراضي بالفساد، ونهبوا ما وجدوه في بعض البلاد، وحرقوا وقتلوا، فَنَهَيْت مَنْ قدَرْتُ عليه، وبالغْت في الزّجر، وبحثْتُ مع بعض من أضلهم حتى قطعْتُ حججهم، وذكرْتُ أنّا تحقّقْنا لهم عهدا فلا نزيله إلّا بتحقّق نقْضه، وأنّ عُذْرَهم في الهرب الخوفُ من المفسدين، وما في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ (١) وتبينوا إشارة إلى التأنّي، وعلى ذلك فهم لعمرى لم يرجعوا بقلوبهم.

"ثم ذكرت قصّة يهود بني النضير في ذهاب النبيّ إليهم يستعينهم في دية العامريَّيْن اللذين قتلهما خطأ عمرو بن أمية الضمري ، وجلوسه إلى بعض جُدُرهم وعزمهم على أن يطرحوا عليه صخرةٍ ليقتلوه، وإخبار الله تعالى له بذلك، وأنه مع تحققه لنقضهم لم يبادر إليهم بالقتال، بل خيَّرهم بينه وبين المسير من بلاده، إلى آخر القصة.

"فبينما نحن على ذلك إذْ جاءَتْ رسل صاحب قبرص في آخر يوم الخميس تُخْبر بأنّ ضيافته تلاقى العسكر في "ألباف (٢) " وأنهم باقون على عهدهم، سامعون ومطيعون


(١) الحجرات الآية ٦.
(٢) "ألباف" أو "بافوس" قلعة من قلاع قبرص وكانت الكلمة تطلق أيضًا على موضعين قديمين في القسم الجنوبي من الجزيرة.