وأخبروا بصاحبهم في أنطالية (١) يُصْلِح خَلَلًا حصل في غُرَابِه، فأمر يشبك الفقيه بالرّجوع لمساعدته فرجع ليلة الأحد خامس الشهر، وسار الأمير بالجيش نحو رودس فرجعْنا إلى أنطالية في ذلك اليوم. فلمّا أصْلِح المركب، سرنا ليلة الثلاثاء سابع الشهر فلحقْنا العسكر بعد رأس الشالدون، فأرسينا جميعنا على نزلة فنيكة، ثم سرنا منها تلك الليلة، فلحقنا جميع العسكر في بكرتها عند مجاز القيقبون ومعهم بنخاص، وكان مَرّ على المراكب ليْلًا فلم يرها وظنَّهم تقدموا، فلمّا قرب من القيقبون وجد أربعة من مراكب الفرنج فطلبوه، فرجع ونذر بهم التركمان فاجتمعوا في البرّ فنزلوه ورجعوا، فعلم أنّ الجيش وراءه، فاستمرّ راجعًا حتّى نام في فنيكة، وبلغ الأميرَ خبرُةَ فأرسل في إثره نجدةً فوجدوه في فنيكة وفي هذا اليوم أرْسينا بالقيقبون ووجدوا هنالك امرأة جالسة على الجبل فأحضروها إلى الأمير فقالت إنها كانت تسحر جيش المسلمين ثم هداها الله تعالى للإسلام فأسلمت، وأبطل الله تعالى باطل سحْرهم وأوْقعهم في حبائل كُفْرِهم وشراك كيدهم ومَكْرِهم.
ثم سرنا في أواخر ليلة الجمعة عاشر الشهر فأرْسينا ضُحَى يومها بمنزلة اينوا، ثم سرنا منها في أوائل ليلة السبت حادي عشره فأرسيْنا في أواخرها على قشتيل الروج، وهو حصن منيع على جبل رفيع في طرف جزيرة تقرب مساحتها من مساحة القاهرة من الحسينية إلى القرافة ومن تربة برقوق إلى بولاق فقاربه بعض شبان المسلمين فصعد إليهم بعض الأكابر فتلطّف بهم حتّى ردّهم، فظن الفرنج أنهم خافوا فرموا عليهم بمكحلةٍ وهزءوا بهم، فأثّر الكلام في الناس فكلم بعضهم الأمير في قتالهم فمنعه منه، وأقلع للسفر ثم أكثروا عليه في ذلك فردّه لأمر قدَّره وقضاه، وارتضاه في سالف الأزل فأمضاه، فوثب النّاس إليهم وثوبَ الآساد، وسمحوا بأرواحهم سماح الأجواد، ووقع قائم الزحف، وقام قاعد الحتف، وتقدّمت الأبطال، وتميّزت فحول الرجال، وعملت المعاول في السور، وبَانَ هنالك الرجل الصّبور، وتراشق النّاس بالنّبال، وتراموا بالجنادل الخفاف والثقال، فطارت رسل السهام طَيْر الحمام، ودارت على البرايا كئوس المنايا، واتقوا بالدرق والجنويات، والدروع الداووديات، ولله در المقاليع، فلقد كانت كأنها المنجنيقات، ولله أصحابها فلقد كان الأقوياء يسترون بعض أجسامهم بدروع الحديد، وكانوا هم يعدون جميع أبدانهم حديدًا ويرمون رميًا شديدًا، ثم أحجموا عن مجاوزة السور إلى جدار الحصن، وهبّت ريح الصبا
(١) في هامش هـ بخط البقاعي: "باللام. وربما سميت عداليا".