للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعياذ بالله - أن تقلب الغراب، وصَيّبٌ لا يُنْجى منه سترٌ ولا ثياب، وبرْق يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار، وأمواجٌ ما يمنعها من الكبر ومثارها البحر الزخار، فضاقت الصدور منا أجمعين، وصارت القلوب من خافضين رافعين، ليلٌ سواده أشدّ من سواد الغراب، وغراب أعظم في تقلّبه من الطائر النعّاب. ثم انجلت الشمس وطاب الوقت، وابتدأنا في احتباء ثمرة الصلاة من الفوز والنجاة، فسرْنا في أواخر ليلة الأربعاء ثالث عشر الشهر نحو القيقبون حتى أدركنا بقية الجيش في المكان الأوّل، واجتمعت الآراء على العود إلى الدّيار المصرية، خوفًا من هيجان البحر وعدم موافقة الرياح، والله المستعان (١).

* * *

واتّفق وصول أولهم إلى ساحل دمياط في يوم الأربعاء (٢) التاسع (٣) عشر من شهر رجب، ووصل الخبر بذلك إلى القاهرة في يوم الجمعة بعد الصلاة (٤).

ثم وصل سودون المحمدي مبشّرًا بقدومهم، فاجتمع بالسلطان يوم الأحد (٥) الثاني والعشرين منه، ثم تلاحق بقية العسكر، فمنهم من جرته الريح إلى ساحل دمياط كما تريد، ومنهم مَن جرَّته إلى الإسكندرية ونزل أكثرهم بساحل رشيد، ثم دخلوا بحر النيل، فاستقبلتهم الريح المريسيَّة فما تكامل مجيئهم إلّا في يوم الأربعاء حادي عشر شعبان. فركبوا جميعا ومعهم الأسرى والغنيمة إلى القلعة، وخلع عليهم واجتمعوا بالسلطان في يوم الخميس [ثامن عشر] (٦).

* * *

ومن الحوادث بعد أن سافر الغزاةُ في أواخر جمادى الأولى، قُدومُ زين الدين عبد الباسط الذي كان ناظر الجيش ومدبّر المملكة في سلطنة الأشرف بعد أن استأذن في القدوم إلى السلطان زائرًا فأذن له، فتقدّم وهرع الناس إلى تلقّيه وبالغوا في ذلك لما ظنّوه من عَوْده لما كان


(١) أمامها في هامش هـ بخط الناسخ: "آخر ما هو من كلام العلامة برهان الدين ومن خط" أي من كلام البقاعي.
(٢) في هامش هـ بخط البقاعي: وفي هذا اليوم وصل بعضهم إلى ساحل رشيد.
(٣) في هامش هـ بخط البقاعي: "إنما هو العشرون، تعرف صحة ذلك إذا تأملت تواريخ التراجم ممن مات في هذا العام".
(٤) في هامش هـ بخط البقاعي: "ثاني عشريه".
(٥) في هامش هـ بخط البقاعي: "ليلة السبت ثالث عشريه".
(٦) الإضافة من هـ بقلم البقاعي.