للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه، فلما اجتمع بالسلطان خلع عليه وعلى أولاده الثلاثة، فزينت لهم البلد، وأظهروا من الفرح به ما لم يكن في البال، حتى أطبق أكثر الناس على أنهم ما رأوا مثل ذلك اليوم من كثرة استبشار الناس به، وهرع الناس للسلام عليه بعد ذلك، وأرجفوا بولايته وتباينوا في ذلك، فأقام أيامًا ثم استأذن في الزّيارة، فأذن له فحصل له بسْط زائد وابتهاج، وعاد بغير شيء، ثم تكرّر ذلك إلى أن ظهر أنّه لا أرب له في ولاية من الولايات، وإنما يريد أن يشتي بالقاهرة ويصيِّف بالشام فسكت عنه، ثم بَدَى له أن يستأذن في الرجوع فأذِن له، فوُدّع وسار قبل أن يستهلّ رجب، وحصل لأصحاب الوظائف طمأنينة زائدة بعد قلق كبير، لأن كلا منهم ما كان يدري ما يؤول أمره بعد، وأعطى السلطانُ لولده الكبير إمرة (١).

* * *

وفيه رافع ولد (٢) القاضي شهاب الدين بن الرسّام الذي كان قاضيا بحماة ثم بحلب، وكان ولده هذا يتقاضى (٣) الأشغال بباب والده، ثم توصل إلى التعرّف بالسلطان لمّا كان في السفرة الأخيرة في دولة الأشرف بحلب، ثم إنّه حضر ورافع في كاتب السرّ وهو زين الدين عمر بن شهاب الدين بن السفاح، وفي نائب القلعة ووالى القلعة ومباشر القلعة أنهم استولوا على الحواصل السلطانية في إمرة تَغْرِي بَرْمُش الذي كان نائبا بها وخرج لما خُلع الملك العزيز وآل أمره إلى القتل كما تقدم، فأحضر الأربعة من البريدية وحُبسوا بالبرج، ثم أذن لنائب القلعة تغري برمش الفقيه في محاسبتهم، فتقرر عليهم خمسة وعشرون ألف دينار وأطلقوا ليحصلوها، واستقر الذي رافع فيهم في نظر الجيش وكتابة السر جميعا، وسافر ومعه زوجته ألف (٤) بنت القاضي علم الدين صالح بن شيخنا البلقيني، فلما كان بعد سفره بعشرة أيام


(١) أشار أبو المحاسن في حوادث الدهور جـ ١ ص ٦٣ إلى أن قدوم الزين عبد الباسط بن خليل واولاده كان يوم ٨ جمادى الآخرة سنة ٨٤٧، وأن السلطان لاقاه بغير ترحاب إذ قال له: "أهلا" بصوت خفي ولم يزد على ذلك. ثم ألبسه وأولاده خلعا، وفي يوم ١٠ جمادى الآخرة قدم عبد الباسط تقدمته وكانت ضخمة، ثم يعقب أبو المحاسن على ذلك بقوله: "وبعد هذا كله لم يتحرك حظ عبد الباسط عند السلطان ولا تجمل معه بوظيفة من الوظائف. بل أمره بالسفر بعد أيام قليلة".
(٢) في هامش هـ كتب البقاعي يقول: "اسمه عبد القاهر" هذا وقد ترجم له الضوء اللامع ٤/ ١٨٤ ترجمة قصيرة قال فيها أنه كان ممن ولى كتابة السر بحلب ونظر جيشها وجواليها.
(٣) في هامش هـ بخط البقاعي: "هذا صفة الوالد وهو شهاب الدين أحمد".
(٤) هي "ألف" ابنة القاضي علم الدين صالح بن عمرو بن رسلان البلقيني. وقد أنجبت ولدا صار أمير المؤمنين المستنجد بالله يوسف واهتمت بمدرسة جدها كما رتبت عندها قراء يقرأون الحديث والتفسير .. وكانت كثيرة الخير والبر والرفد. انظر ترجمتها في الضوء اللامع ١٢/ ٣٩.