فاتفق أن النائب بها لم يوافق على قتل الظاهر، وماطله بذلك أياماً، فبلغ ذلك أهل الكرك، فتعصبوا للظاهر وهجموا على أحمد البريدي، فقتلوه واشتد الأمر على منطاش لما سمع هذه الأخبار وتهيأ للتجهيز وخرج بجمع عظيم من القاهرة، واخرج معه القضاة والخليفة والسلطان وفرق الحواصل وباع جميع الغلال وغيرها بأبخس ثمن وحصل للناس من ذلك شر كبير، ثم اقترض من مال الأيتام خمسمائة ألف درهم، ورتبت فتيا صورتها: رجل خرج على الخليفة والسلطان وشق العصا وقتل شريفاً في الحرم الشريف واستحل الأموال والأنفس إلى غير ذلك، فكتب عليها العلماء والقضاة بجوار قتاله ودفعه عن ذلك، وامتنع الركراكي من الكتابة، وناظر على ذلك فغضب منه منطاش وأهله وسجنه في البرج مع مماليك الظاهر بالقلعة.
وفي ذي الحجة استقر عبد الله العجمي في قضاء العسكر عوضاً عن سراج الدين عمر.
وفيها اعتقل زكريا الذي كان الظاهر عمله خليفة، وكتبوا عليه إشهاداً بأنه لا يسعى في الخلافة بعد، وانسلخت هذه السنة والظاهر على حصار دمشق ومنطاش سائر بالعساكر إلى جهته، وبالغ القاضي شهاب الدين القرشي في التحريض على برقوق، وكان يرتب من يسبه على الأسوار، وكان لا ينزل من مخيمه، بل كان اينال اليوسفي ومن معه يباشرون القتال وخرب ما حول دمشق.
وفي غضون ذلك وصل إليهم كمشبغا من حلب ومعه عسكر ضخم، فنزل بالمرج شرقي دمشق، ثم وصل إلى برقوق في ثاني عشر ذي الحجة كما تقدم، ففرح به وقدم له خيمة سلطانية وخيولاً وأمتعة وجمالاً فاستقام أمره.