وغلبهم على القلعة وجميع المملكة، فكان ذلك يعدّ من عجائب الاتفاق، حتى لو كانوا على ميعاد ما وقعت هذه الموافقة، وكان السبب في نصرة مماليك السلطان الظاهر أن منطاش أودع منهم السجون جملة كثيرة، وكان الكثير منهم في السجن بالقلعة، فضاق عليهم الأمر واشتد بهم الخطب، فتحيلوا إلى أن فتحوا باباً مسدوداً وجدوه في سرداب عندهم، فخرجوا منه بغتة على نائب الغيبة، فهرب منهم، فنهبوا بيته واحتلوا خيله وقماشه، وكان كبيرهم يقال له: بُطا، فبلغ ذلك نائب القلعة فقاتلهم، ثم عجز فهرب، فاجتمع صريتمر وقطلوبغا الحاجب وبقية المماليك فصعدوا إلى مدرسة حسن، وبادر بطا فأخرج سودون النائب من الحبس فرتبه في القلعة، وتسامع مماليك الظاهر فتكاثروا عند بطا وتناوشوا القتال مع المنطاشية، وساعدهم عليهم العامة حتى هزموهم، وكان العوام قد قاموا مع منطاش على الناصري إلى أن غلب كما تقدم، لكن ظهر بعد ذلك منه هوج وسوء تدبير وعدم معرفة، فرجعوا عنه وأحبوا عود دولة برقوق فساعدوا أصحابه، وكان ذلك كله في أوائل صفر، وكان ابتداء ذلك في ليلة الثاني منه وانتهاء ذلك في رابع صفر.
وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري فيما أجازنيه: أن المحبوسين كانوا في خزانة الخاص القديمة المجاورة لباب القصر ووكل بهم جماعة يحرسونهم بالنوبة وبالغوا في التضييق عليهم، فلما كان في أواخر المحرم وهم يستغيثون من الحر والضيق ويتوقعون القتل كل وقت وأشاعوا أنهم عزموا على أن يرموا عليهم خبزاً ويمنعوهم الماء ليهلكوا أجمعين بذلك، فاتفق أن واحداً منهم جلس في مكان، فعبث ببلاطة تحته فقلعها فأزالها فأحس بهواء فأراد ما تحتها واستعان ببعض رفقته فوجدوا سراب الحمام، فمشوا فيه إلى أن انتهوا إلى باب من أبواب الاصطبل، فاتفق أنهم وجدوه مفتوحاً كان البواب نسي أن يغلقه، فأخذ كل منهم قيده في