ولما تواترت هذه الأخبار إلى السلطان حبس الخليفة في البرج وضيَّق عليه ثم أفرج عنه في اليوم الثاني من ربيع الأول واعتذر إليه ووعده بمواعيد جميلة لما بلغه أن الناصرى ينقم عليه حبْس الخليفة، ثم أرسل إليه دراهم وثيابا، وضيَّق على ذرية الناصر بالحوش وأنفق النفقات الكبيرة، حتى حمل إلى كل واحد من الأمراء الكبار مائة ألف درهم فضة قيمتها يومئذ أكثر من أربعة آلاف دينار؛ وأحواله مع ذلك مضطربة وتغيرت النيات عليه. وشرع في إبطال السلف على البرسيم والشعير، وكان الناس يقاسون من ذلك شدَّة عظيمة.
وأمر بإبطال مكس القصب والقلقاس وقياس ذلك، ثم أُعيد بعد قليل.
وعزل [السلطان] موفق الدين ناظر الخاص من نظر الجيش وولَّاه لجمال الدين المحتسب في ربيع الآخر.
واستقر شرف الدين الأشقر في قضاء العسكر عوضا عن جمال الدين فلم تطل مدته بل مات في ربيع الآخر كما سيأتي، فاستقر ابن خلدون عوضه في مشيخة البيبرسية، واستقر سراجُ الدين محتسب مصر في قضاء العسكر عوضا عنه أيضا، واستقر في الحسبة همام الدين، واستقر شمس الدين البلالي في مشيخة سعيد السعداء عوضًا (١) عن ابن أخى الجار.
ثم توجه الجاليش السلطاني صحبة أيتمش وجركس الخليلي ويونس الدوادار وغيرهم، فوصلوا إلى غزة فأمسكوا نائبها آقبغا الصفوى وحبسوه بالكرك، واستقر حسين بن باكيش في نيابة غزة ثم توجهوا إلى دمشق فتلقاهم نائبها فأرسلوا جماعةً من العلماء إلى الناصر في الصلح فتوجهوا إليه فأكرمهم، وسار من حلب إلى دمشق بمن معه من العساكر، فالتقاهم في تاسع عشر ربيع الآخر على خان لاجين، فانكسر الناصريُّ مرتين، فخامر أحمدُ بن يلبغا وأيدكار الحاجب وجماعةٌ معهما وقاتلوا رِفقتَهم إلى أن كسروهم، وقتل جركس الخليليّ في المعركة، وفريونس فقتل بعد ذلك بالجربة، قتله عنقا بن شطى من آل فضل.
ووقع في العسكر المصرى النهب الشديد والقتل الذريع، وملك الناصريُّ دمشق، وحبَس أيتمش بالقلعة واحتاط على موجوده، وراسل حسينُ بن باكيش الناصري بالطاعة، وعمَّى
(١) عبارة "عوضا عن … وقتل جركس الخليلي" س ١٩، ساقطة من ز ولذلك فقد علق قاريء نسخه ز بقوله في الهامش "فيه ساقط".