للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرأْتُ بخط. الشيخ برهان الدين بن العجمى محدثِ حلب فقال: "كان أَوحد العلماء مشاركًا في علوم كثيرة، شرح "العضد" ونظم "غريب القرآن"، وكان يحافظ على الجلوس في الجامع، ولا يخرج منه إلَّا لحاجة، وكان يستحضر "شرح مسلم" للنووى و "معالم السنن" للخطابي، ويستحضر مذاهب غريبة مع حسن محاضرةٍ ولطف (١) شكل وتنزّه نفس، وكان يعظَّم أَهله ولا يستكثر عليهم شيئًا ولا يقدم عليهم أَحدا، ومن إنشائه "غريب القرآن"، منظوم سماه "عقد البكر في نظم غريب الذكر" أَجاد فيه. ورثاه الشيخ حميد العابر بمخمّس يعاد فيه، وكان قد ولى القضاء بحلب فاشتهرت فضائله وفاق الأَقران، فلما كانت كائنة برقوق وخروج يلبغا النَّاصرى عليه ثم عوْدُه من سجن الكرك إلى أَن تسلطن ثانيا ذكر له كمشبغا الكبير ما كان يبدو من هذا القاضي وغيره في حقهم، فنقم عليه وأَمر بحمله إلى القاهرة فاغتيل في الطريقي، وقُتل ظلما بخان شيخو بين المعرّة وكفر طلاب".

قرأْت بخط العيني في تاريخه: "قتل شرّ قتلة، وكان ذلك أَقلّ جزائه فإنَّ الظاهر هو الذي جعله من أَعيان الناس وولاه القضاء من غير بذل ولا سعى، فجازاه بأَن أَفتى في حقِّه بما أفتى، وقام في نصر أعدائه بما قام، وشهر السيف وركب بنفسه والمنادى بين يديه ينادي: قوموا انصروا الدولة المنصورية (٢) بأَنفسكم وأَموالكم فإن الظاهر من المفسدين العصاة الخارجين، فإن سلطنته ما صادفت محلًّا" إلى غير ذلك. قال العينى: "فجازاه الله بالإهانة والذل والإخراج من وطنه بهيئة قطاع الطرق والرمى في البرية بغير غسل ولا كفنٍ ولا صلاة".

وقال (٣) في حقه أَيضا: "كان عنده بعض شيء من العلم، ولكنه كان يرى نفسه في مقام عظيم، وكان مولعا بثلب أعراض الكبار. وكان باطنه رديئًا وقلبه خبيثًا، قال: "وسمعت أَنه كان يقع في الإمام أَبي حنيفة".

٥ - أَحمد بن عمر بن محمود بن سليمان بن فهد، شهاب الدين زين الدين بن الشهاب، الحلبي الأَصل. الدمشقى المعروف بالقنبيط، وُلد سنة عشر أَو نحوها، وسمع من أَمين الدين محمد بن أَبي بكر بن النحاس وغيره، ووقع في الدست فكان أَكبرهم سنا وأَقدمهم


(١) في هـ "ألطافه".
(٢) يعنى سلطنة الملك حاجي.
(٣) المقصود بذلك بدر الدين العيني.