للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المذهب هناك، مع التوسّع من الدنيا: ودرّس وأَفتى وبرع في الفقه والآداب والعربية وشارك في الفنون، وشرح "المصابيح" وخرّج لنفسه جزءًا حديثيًّا وأَربعين حديثيًّا عن أَربعين شخصا، وشرح أَيضا "منهاج البيضاوى" و "الغاية القصوى" له، وحدّث بمكة وبيت المقدس، وأَنشد لنفسه بالمدينة:

يا دَارَ خيْرِ المرسلين وَمَنْ بها … شَغفي وسالِفُ صبوتى وَغَرَامِي

نَذْرٌ علىَّ اثن رأَيْتُكَ ثانيًا … مِنْ قبل أَن أُسْقَى كؤوس حمامى

لأُغَفِّرَنَّ على ثراكِ محاجرِي … وأَقولُ هذا غايةُ الإنْعَام

فلم (١) يُقَدَّر له الرجوع بعد ذلك، بل قال ابن حجى: "كان بارعًا في علمي المعاني والبيان، وفى أَربعينيته أَوهامٌ وإسقاطُ رجالٍ من الإسناد ومع ذلك فكان عند أَهل بلده أَنه شيخ الحديث في الدنيا، وكان فهمه جيدا ونفسه قوية ويقال إنه كان مفرط الكرم".

ولما نازل اللنك بغداد نهبت أَمواله وسبيت حريمه دخل الشام وحدّث بها، وكتبوا عنه من نظمه، فلما رجع أحمد بن أويس إلى بغداد رجع معه فمات (٢) بعد دخوله بخمسة أَشهر في صفر عن أَربع وستين سنة.

وكان عالما فاضلا دينا، حسن الشكل والأَخلاق، جوادًا ممدّحًا، وكان دخله في كل عام نحو خمسة آلاف دينار ينفقها في وجوه الخير، [وقد] ذكر الإسنوى جدّد في طبقات الفقهاء، وحدّث الغياث بمكة والمدينة ودمشق وحلب وأَقام بها قبل الحج مدّة أَشهر؛ وكان وقع بينه وبين أحمد بن أويس وحشة ففارقه إلى تكريت ثم توجّه إلى حلب، وكان إسماعيل ورير بغداد بني له مدرسة فأَراد أَن يأْخذ الآجُرّ من إيوان كسرى فشقّ على الغياث ذلك وقال: "وهذا من بقايا المعجزات النبوية"، ودفع له ثمن الآجرّ من ماله.

ومن شعره:

لا تَقْدَحُ الوَحْدَةُ في عَازِبٍ (٣) … صَانَ بها في مَوْطِنٍ نَفْسَا


(١) عبارة "فلم يقدر له الرجوع بعد ذلك بل" ساقطة من ز، ل، هـ.
(٢) وقد دفن بالقرب من قبر معروف الكرخي وذلك بوصية منه، راجع شذرات الذهب ٦/ ٣٥٢.
(٣) في ز، هـ "عارف".