فضيق عليه فأظهر الجنون، وتمادى به الحال إلى أن صار جداً فانخبل عقله وصار يمشي في الأسواق وبيده هراوة ويقف فيذكر جهراً وتمادى على ذلك مدة بحيث كثر من يعتقده، واستمر على ذلك نحواً من أربعين سنة، وفي بعض الأحيان يتراجع وينقطع وينسخ بالأجرة ثم يرجع لتلك الحالة وهو في حال تسطير هذه الأسطر في قيد الحياة سنة تسع وأربعين ثم مات بعد الخمسين وذكر لي أن مولده سنة أربع وسبعين.
إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن موسى الكناني البلبيسي ثم المصري القاضي مجد الدين ولد سنة ثمان أو تسع وعشرين وسبعمائة وسمع من أصحاب النجيب والعز الحرانيين ولازم الزيلعي في الطلب فأكثر من سماع الكتب والأجزاء وتخرج بمغلطاي والتركماني، واشتغل في الفقه والفرائض فمهر فيها ونظم الشعر وشارك في الأدب وباشر توقيع الحكم وناب في القضاء، وشجر بينه وبين شمس الدين الطرابلسي شيء فلم يثبت له بل صبر حتى اشتغل بالقضاء ثم عزل، وله تأليف في الفرائض، سمعت تاج الدين بن الظريف يطريه، واختصر الأنساب للرشاطي وتذكرة فيها فنون كثيرة ولما ولي القضاء كان معتكفاً في جوار الجامع الأزهر في رمضان فباشره فلم يرزق في السعد ثم أشاع عنه جمال الدين العجمي أنه يتبرم بالسقر مع السلطان ويدعي العجز عن الحركة واتفق أنه كان ثقيل البدن، فكان إذا حضر الموكب وأراد القيام اعتمد على الأرض وقام بمشقة، فكان السلطان يعاين منه ذلك فصدق ما قيل عنه فعزله ولم يتم له سنة واستمر إلى أن مات بعد أن ازداد ضعفه وانهزم وساءت حاله جداً مات في أول ربيع الأول ومن شعره: