وفى تاسع عشرى شعبان استقر ناصر الدين الصالحي في قضاء الشافعي عوضًا عن صدر الدين المناوي بعد اليأس منه، وشغر المنصب عنه أَزيد من شهرين.
وفيه أَخذ الذهب في الارتفاع لكثرة من يطلبه، لأَن الفضة كانت في غاية الغلوّ، وفقَدَ غالب الناس الفلوس وهى مثقِلة لمن يقتنيها ولا سيما من يخاف على نفسه.
وفى (١) أَوائل شوال عمل يشبك الدويدار على جماعة من الخاصكية والأُمراء ليخرجهم من القاهرة، فقرّر مع السلطان أَن يؤمِرّهم في دمشق وغيرها، فلما علم بذلك جكم ونوروز وغيرهما من كبار أَهل الدولة تفطنوا المقصود يشبك فعاكسوه، واتفقوا مع الذين عُينوا أَن يردوا المناشير، فدار بينهم وبين يشبك كلام فأَغلظ لهم فخرجوا عليه وضربوا قَطْلوبُغَا الكركي وأَخاه أَقبيه الخازندار بالرميلة وجُرح قطلوبغا في وجهه، ووقف المماليك إِلى الليل وانضاف إليهم جكم، ووقع بينهم وبين جركس المصارع الدويدار الثاني، ثم توجّه جكم وتبعه جمع كبير نحو الخمسين إِلى جهة بركة الحبش، ثم ذهب سودون طاز أَمير آخور وأَخذ معه جميع الخيل التي في الإصطبل والطبول، وأَتلف أَشياء كثيرة من آلات الإصطبل كالقرب والروايا، فأَرسل السلطان لهم نوروز - وصحبته القاضي الشافعي - في الحادي عشر بستخبرهم عن سبب نفرتهم ويأْمرهم بالرجوع إِلى الطاعة، فأَعلموهما بباطن القضية.
فرجع القاضي إِلى السلطان فأَطلعه على ما سمع، وتأَخر نوروز موافقا لهم، فخشي السلطان أَن يتقلَّل مَن بقى عنده، فنزل إِلى الإصطبل وأَمر رءوس النواب بمنع المماليك من مساعدة أَحد الفريقين، وأَرسل إِلى يشبك يعلمه بأَنه ليس لهم قصد غيره ويقول "قاتل عن نفسك".
فلما كان حادي عشر شوال التقى الجمعان فانكسر يَشْبَك وقُبض على إخوته، وهم: آقبعا وقطلوبغا الكوكائيان وجركس المصارع، وأُرسلوا إِلى الإسكندرية، ثم قبض على
(١) رواية المقريزي: السلوك، شرحه، "استدعى السلطان الأُمراء إِلى القلعة وقال لهم: قد كتبنا مناشير جماعة من الخاصكية بإمريات من الشام من أَول رمضان فلم لا يسافروا؟ "، فقال الأمير نوروز: "ما هذا مصلحة، إذا أرسل السلطان هؤلاء من يبقي؟ "، ووافقه سودون المارديني فقال السلطان: "من رد مرسومي فهو عدوي" ثم ذكر المقريزي بعد ذلك بقية القصة.