بصيرةٍ من أَمرها، وبلغ من دهائه أَنه إذا أَراد قصْدَ جهةِ جمعَ أَكابر الدولة وتشاوروا إلى أن يقع الرأْىُ على التوجّه في الوقت الفلاني إلى الجهة الفلانية، فيكاتب جواسيسَ تلك الجهات فتأْخذ تلك الجهة المذكورة حِذْرَها ويأمن غيرُها، فإذا ضُرب النفير وأَصبحوا سائرين ذات الشمال عرّج بهم ذات اليمين فإلى أَن يصل الخبر الثاني دَهَم هو الجهة التي يريد وأَهلها غافلون.
وكانَ أنشأ بظاهر سمرقند عدةً بساتين وقصورًا عجيبةً فكانت من أَعظم النزه، وبنى عدة قصباتٍ سمّاها بأَسماء البلاد الكبار كمصر ودمشق وبغداد وشيراز.
ولما مات كان له من الأَولاد أَميرزاه، وشاه رخ، وبنتٌ له اسمها سلطان تخت، وكان له ثلاث زوجات، ومن السراري شيء كثير.
وكان يجمع العلماء ويأْمرهم بالمناظرة ويَعْنتهم في المسائل، وأخبارُه مطولة.
٧ - حرمى بن سليمان الببائى ثم القاهرى، وُلد قبل الخمسين وتفقَّه قليلًا، وسمع من الشيخ شهاب الدين بن خليل وغيرِه، وناب في الحكم ودرَّس بالشريفيّة، وولى الإعادة بالمنصورية، نزل له عنها بعض العجم، وفى ذلك يقول الشاعر:
فأَنشدَ الجَهْلُ بيتًا لستُ أنكْرهُ: … ما سِرتُ من حَرَم إِلّا إلى حَرَمَى
واتفق أن جركس الخليلي غضب على شاهدٍ عنده مرّة فصرفه واستخدم عنده "حرمى" هذا فنقم عليه فأَنشده: "ما سرت من حرم إلا إلى حرمى" وأشبع الراء فعُدّ ذلك من نوادر، الخليلي. مات [حرمى] في رمضان (١) وقد جاوز الستين.