للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فأُلبس غَصْبا ورُسم عليه وأُمر الحاجب (١) أَن يخرجه من القاهرة، وأُمِّرَ أزبك الإبراهيمي (٢) في نيابة طرطوس فامتنع أَيضا ولم يحضر الخدمة، وتشَوَّش أَكثر المماليك من ذلك والأُمراءُ الجراكسة وتخيّلوا من الناصر أَنه يريد إبعادهم وتقديمَ أَخواله الروم، وكان ذلك يظهر منه كثيرا، فكثر الهرج والمرج وإشاعة ركوبِ الأُمراء على النَّاصر، فغلب عليه الخيال (٣) إلى أَن حمله ذلك على الحرب، فغُيب يوم الأَحد خامس عشرى ربيع الأَول وقت القيلولة وفُقد فلم يعلموا له خبرًا، فقيل إنه خرج من باب القرافة مختفيا وركب فلم يُعلم خبره لأَنه نهى مَن اتبعه عن اتباعه فرجع عنه وليس معه إلا مملوك واحد وهو بيغوت، فعدَّى إلى الجيزة ثم رجع إلى بيت سعد الدين بن غراب فاختفى عنده ولم يتحققوا أَين هرب بل أُشيع أَنه قُتل سرا، وصار ابن غراب يطالعه الأَخبار يوما بيوم ويدبّر معه أَمر يشبك وغيره ويعلمه بما يشتد به الحقد منه على أَقاربه كبيبرس وإينال باى وغيرهما ممن يخالف هواه هوى يشبك إلى أَن كان ما سنذكره.

فلمّا بلغ الأُمراءِ غيبةُ الناصر اجتمعوا في آخر النهار ببيت الأَمير الكبير بيبرس ثم بالإسطبل بعد أَن جمعوا القضاة والخليفة، وتشاوروا إلى أَن استقر رأْيهم على سلطنة أَخيه عبد العزيز فأَحضروه ولقَّبوه "المنصور" وعقدوا له البيعة في تلك الليلة، واستقرّ بيبرس الصغير لالا السلطان، واستقرّ في الثامن والعشرين منه بيبرُس الكبير قريبُ السلطان


(١) الحاجب الذي وكل إليه أمر إخراجه هو محمد بن جلبان.
(٢) ويعرف بخاص خرجي، انظر الضوء اللامع ٢/ ٢٧٣.
(٣) فسر النجوم الزاهرة ١٢/ ٣٢٩ تخيل السلطان بأنه سكر يوم النوروز ثم ألقى بنفسه في فسقية وألتقى الأمراء أنفسهم معه وراحوا يتمازحون، وترك السلطان وقاره فجاء أحدهم وحاول إغراقه مرارًا وهو يمرق تحته كأنه يمازحه، فخلصه بعض مماليك أبيه من الروم وأسرها السلطان في نفسه، ثم تبين له أن بقية الأمراء يريدون قتله على أية صورة، فلم يجد فرج بدا من أن يفوز بنفسه ويترك لهم ملك هذا مصر، هذا ويلاحظ أن من الناصر فرج إذ ذاك كانت نحو سبع عشرة سنة، انظر أيضا المقريزى السلوك، ورقة ١٥٤، وإن جاء التاريخ هناك ١٣ ربيع الأول.