للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لابن دقيق العيد جمع فيه أشياء حسنة؛ وكان له حظ من العبادة والمروءة والسعى في قضاء حوائج الغرباء ولا سيما أهل الحجاز.

وقد ولى قضاء المدينة ولم يَتِم له مباشرة ذلك، واستقر في سنة ثلاثٍ وثمانمائة في تدريس المنصورية ونظر الظاهرية ودرْسِها فعمر بها أحسن عمارة وحُمد في مباشرته، وقد جاور بمكة وصنَّف بها تصنيفا يتعلَّق بالمقام.

وكان يودنى وأوده، وسمعْتُ بقراءته وسمع بقراءتي، وأسفْتُ عليه جدا، وقد سئل في مرض موته أن ينزل عن بعض وظائفه لبعض من يحبّه من رفقته فقال: "لا أتقيد بها حيًّا وميتا". مات في رجب وله ثلاث وخمسون سنة.

١٨ - عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحيم الحضرمى المغربي المالكي المعروف بابن خلدون، وُلد سنة ٧٣٣ (١)، وسمع من الوادياشي وغيره، وقرأ القرآن على أبي عبد الله [محمد] ابن سعد بن بزال [الأنصارى] إفرادًا وجمعًا، وأخذ العربية عن أبيه وأبي عبد الله الحصائري وأبي عبد الله بن بحر، وأخذ الفقه عن محمد بن عبد الله الحياني وقاضي الجماعة [محمد] بن عبد السلام، وأخذ عن عبد المهيمن الحضرمى ومحمد بن إبراهيم الأُبلى شيخ المعقول بالمغرب، وبرع في العلوم، وتقدّم في الفنون، وبهر في الأدب والكتابة، وولى كتابة السر بمدينة فاس لأبي عثمان ولأخيه أبي سالم، ودخل إلى غرناطة في الرسلية سنة أربع وستين.

وكان ولى بتونس كتابة العلامة، ثم ولى الكتابة بفاس، ثم اعتُقِل سنة ثمانٍ وخمسين [وسبعمائة] نحو عامين، ودخل بجاية بمراسلة صاحبها فدَبِّر أُموره، ثم رحل - بعد أن مات -


(١) الوارد في السخاوى: الضوء اللامع ٤/ ٣٨٧ أنه ولد أول رمضان سنة ٧٣٢ هـ.