الجيزة وغيرها، وكان قبل ذلك يتوقى في الظاهر فربما رام استبدال بعض الموقوفات فيعسر عليه القاضي إلى أن تجتمع شروط ذلك عند من ذهب إلى جوازه فيبادر هو بدس بعض الفعلة إلى ذلك المكان في الليل فيفسد في أساسه إلى أن يكاد يسقط فيرسل من يحذر سكانه، فإذا اشتهر ذلك بادر المستحق إلى الاستبدال ومن غفل منهم أو تمنع سقط فينقص من قيمته ما كان يدفعه له لو كان قائماً، ثم بطلت هذه الحيلة لما زاد تمكنه بإعانة القاضيين الحنفي تارة والحنبلي أخرى سمعت القاضي كريم الدين ابن عبد العزيز يقول: كنت في جنازة فتوجهت للمقبرة فوافقت ابن العديم ففتحت له انتهاك حرمة الأوقاف بكثرة الاستبدال، فقال لي: إن عشت أنا والقاضي مجد الدين - وأشار إلى الحنبلي - لا يبقى في بلدكم وقف، والعجب أن رؤساء العصر كانوا ينكرون أفعال جمال الدين في الباطن رعاية له وفرقاً منه، فما هو إلا أن قتل فتوارد الجميع على أتباعه فيما سن من ذلك حتى لم يسلم من ذلك أحد منهم، ولم يزل الأمر يتزايد بعد ذلك، ثم لم يزل جمال الدين يترقى ويحصل الأموال ويداري بالكثير منها ويمتن على الناصر بكثير من الأموال التي ينفقها عليه إلى أن كاد يغلب على الأمر، وفي الآخر صار يشتري بني آدم الأحرار من السلطان، فكل من تغير عليه استأذن السلطان في إهلاكه واشتراه منه بمال معين يعجل حمله إلى الناصر ويتسلم ذلك الرجل فيهلكه، فهلك على يده خلق كثير جداً، وأكثرهم في التحقيق من أهل الإفساد.
وفي الجملة كان قد نفذ حكمه في الإقليمين مصر والشام، ولم يفته من المملكة سوى اسم السلطنة مع أنه كان ربما مدح باسم الملك ولا يغير ذلك ولا ينكره، وتقدم أنه قتل في جمادى الآخرة، ولقد رأيت له بعد قتله مناماً صالحاً حاصله أني ذكرت وأنا في النوم ما كان فيه وما صار إليه وما ارتكب من الموبقات، فقال لي قائل: إن السيف محاء للخطايا، فلما استيقظت اتفق