الأَتابك وأَلقوا إليه ورقةً في سهمٍ من القلعة يستشفعون به، فجاءَ إلى السلطان وشفع عنده وأَلحَّ عليه إلى أَنْ أَذِن له أَن يصْعد إليهم ويقرّر الصلح، فتوجّه وصحبته الخليفة وكاتب السر وجماعة من ثقات السلطان -وذلك في أَواخر الشهر- فجلسوا كلهم على شفير الخندق، وجلس شيخ داخل باب القلعة ووقف أَصحابه على رأْسه، فطال الكلام بينهما إلى أَن استقر الأَمر أَنه لا يستطيع أَن يقابل السلطان حياءً منه، فأُعيد الجواب عليه فأَبىَ إلَّا أَن ينزل إِليه ويجتمع به، فلم يزل تغري بردي به إلى أَن أَجاب إلى الصّلح، فرجع هو وكاتب السر فسلَّم لهما كمشبغا الجمالي وأَسنبغا كلاهما بحبل، ثم أَرْخى ولده وعمْرهُ سبع سنين ليرسله إلى الناصر فرج، فصاح وبكي من شدّة الخوف فرحمه الحاضرون فرُدّ إلى أَبيه واستبشر الفريقان بالصّلح. وكان العسكر الناصري قد ماج وكَلَّ من الإِقامة بصرْخد لكثرة الوباءِ بها وقِلَّة الماءِ والزاد، هذا مع كوْن الأَهواءِ مختلفة، وأَكثرُ الناصريّة لا يحبون أَن يظفر بشيخِ لئلَّا يتفرّغ لهم، فطلعوا في آخر يوم من الشهر وحلَّفوا الأُمراءَ، وأَفرَج شيخٌ عن ابن لاقي وعن تجّار دمشق، وأَرسَل للنَّاصر تقدمةً عظيمةً ولبس تشريفهُ واستقرّ في نيابة طرابلس، وما فرغ من ترتيب ذلك إلا وأَكثر المماليك السلطانية من مصر قدْ ساروا إلى جهة دمشق، فاضطُرَّ الناصر إلى الرحيل إلى دمشق فتجهّز وجهز شيخٌ ولده الصغير في إثْر السلطان، فوصل مع تغري بردي فأَكرمه وأَعاده إلى أَبيه، ورحل الناصر عن دمشق في ربيع الآخر فوصل إلى غزة بعد أَن زار القدس في سابع عشر منه.
* * *
وأَما شيخٌ فخرج من صرْخد وانضمّ إليه كثيرٌ من أَصحابه وتوجّه إلى ناحية دمشق، وأَرسل إلى بكتمر جلق نائبِ الشام يستأْذنه في دخول دمشق ليقضِيَ أَشغاله ويتوجّه إلى طرابلس، فمنعه حتى يستأْذن السلطان، وكتب إليه يخيّله من دخول دمشق فأَجابه بمنْعه مِن دخولها وإنْ قَصَد دخولها بغير إذنٍ يقاتلوه، فاتفق وصول شيخ إلى شَقْحب في غاية جمادي الأولى فأَوقع بكتمر جلق ببعض أَصحابه، فبلغه ذلك فركب فيمَن معه، فلم يلبث بكتمر أَن انهزم ونزلَ شيخٌ قبَّةَ يلبغا، ثم دخل دمشق في حادي عشره -وهو اليوم الذي وصل فيه النَّاصر إلى القلعة بمصر- فتلقَّاه الناس، فأَظهر أَنه لم يقصد القتال ولا الخروج