. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَأَمَّا عَنِ الْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ اسْتَعْمَلَتِ الصِّيَغَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ ; فَبِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُمْ لَهَا فِي الْخُصُوصِ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ بِقَرَائِنَ أَفَادَتِ التَّجَوُّزَ، وَذَلِكَ لَا يَنْفِي كَوْنَهَا لِلْعُمُومِ بِالْوَضْعِ.
قَوْلُهُ: «الْآخَرُ» ، أَيِ: احْتَجَّ الْآخَرُ وَهُوَ الَّذِي قَالَ: لَا عُمُومَ فِيمَا فِيهِ اللَّامُ، فَإِنَّ اللَّامَ تُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِغْرَاقِ تَارَةً. نَحْوَ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التَّوْبَةِ: ٥] ، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [الْقَمَرِ: ٥٤] ، وَلِبَعْضِ الْجِنْسِ تَارَةً، نَحْوَ: شَرِبْتُ الْمَاءَ، وَأَكَلْتُ الْخُبْزَ، وَالْمُرَادُ بَعْضُهُ بِالضَّرُورَةِ. وَلِلْمَعْهُودِ تَارَةً نَحْوَ: لَقِيتُ الدَّابَّةَ ; فَرَكِبْتُ الدَّابَّةَ، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [الْمُزَّمِّلِ: ١٦] ، أَيِ: الرَّسُولَ الْمَعْهُودَ فِي الْخِطَابِ، وَإِذَا كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي فَبِأَيِّ شَيْءٍ تَخْتَصُّ بِإِفَادَةِ الْعُمُومِ، وَهَلْ ذَلِكَ إِلَّا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ.
قَوْلُهُ: «قُلْنَا بِالْقَرِينَةِ» ، أَيْ: قُلْنَا: إِنَّمَا اسْتُعْمِلَتْ فِي بَعْضِ الْجِنْسِ وَفِي الْمَعْهُودِ بِالْقَرِينَةِ. أَمَّا فِي بَعْضِ الْجِنْسِ ; فَلِأَنَّ مَنْ قَالَ: شَرِبْتُ الْمَاءَ، عَلِمْنَا بِقَرِينَةِ الْعَقْلِ أَنَّهُ إِنَّمَا يُرِيدُ بَعْضَ الْمَاءِ، وَهُوَ قَدْرُ مَا يُذْهِبُ عَطَشَهُ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَشْرَبَ كُلَّ مَاءٍ فِي الْأَرْضِ بَلْ فِي الْوُجُودِ. وَأَمَّا فِي الْمَعْهُودِ ; فَلِأَنَّ وُجُودَ الْمَعْهُودِ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ اللَّامَ إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَعْهُودٌ، وَجَبَ صَرْفُهَا إِلَى الْجِنْسِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْعُمُومِ ; فَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْمَعْهُودِ وَبَعْضِ الْجِنْسِ بِالْقَرِينَةِ لَا بِالْوَضْعِ حَتَّى يَكُونَ صَرْفُهَا إِلَى الْعُمُومِ تَحَكُّمًا.
قَوْلُهُ: «ثُمَّ هِيَ تَسْتَغْرِقُ الْمَعْهُودَ» ، إِلَى آخِرِهِ. هَذَا إِلْزَامٌ قِيَاسِيٌّ لِلْخَصْمِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَعْهُودَ بَعْضُ مَوَارِدِ اللَّامِ كَمَا ذَكَرْتُ، ثُمَّ هِيَ إِذَا اسْتُعْمِلَتْ لِلْمَعْهُودِ، اسْتَغْرَقَتْهُ، وَتَنَاوَلَتْ جَمِيعَهُ ; فَكَذَا يَنْبَغِي فِي الْجِنْسِ إِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute