للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَبُنِيَ، كَمَا أَنَّ خَمْسَةَ عَشَرَ لَمَّا تَضَمَّنَتْ مَعْنَى وَاوِ الْعَطْفِ فِي خَمْسَةٍ وَعَشَرَةٍ، بُنِيَتْ لِأَنَّ الِاسْمَ إِذَا تَضَمَّنَ مَعْنَى الْحَرْفِ أَشْبَهَ الْحَرْفَ مِنْ جِهَةِ إِفَادَتِهِ مَعْنَاهُ ; فَبُنِيَ كَمَا يُبْنَى الْحَرْفُ.

قَوْلُنَا: «قُلْنَا: النَّفْيُ» إِلَى آخِرِهِ. هَذَا جَوَابُ دَلِيلِ هَذَا الْقَائِلِ.

وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ النَّفْيَ إِذَا وَقَعَ عَلَى النَّكِرَةِ، اقْتَضَى نَفْيَ مَاهِيَّتِهَا، وَمَاهِيَّتُهَا لَا تَنْتَفِي إِلَّا بِانْتِفَاءِ جَمِيعِ أَفْرَادِهَا، كَمَا إِذَا قَالَ: لَا صَلَاةَ بِغَيْرِ طُهُورٍ ; فَإِنَّهُ نَفْيٌ لِمَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِانْتِفَاءِ جَمِيعِ أَفْرَادِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طُهُورٍ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ. وَهَذَا الدَّلِيلُ قَاطِعٌ فِي الْعُمُومِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَأْوِيلُ مَا ذَكَرْتَ أَيُّهَا الْخَصْمُ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ الْعُمُومِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاطِعٍ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ قَاطِعٌ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْقَاطِعُ وَغَيْرُهُ، كَانَ تَقْدِيمُ الْقَاطِعِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ أَوْلَى.

وَوَجْهُ تَأْوِيلِ مَا ذَكَرْتُهُ مِنَ الدَّلِيلِ هُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: مَا عِنْدِي رَجُلٌ، لَوِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، لَاقْتَضَى الْعُمُومَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الدَّلِيلِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: بَلْ رَجُلَانِ، قَرِينَةٌ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ نَفْيَ مَاهِيَّةِ الرَّجُلِ، بَلْ نَفْيَ وَاحِدٍ مِنَ الْجِنْسِ، وَإِثْبَاتَ مَا أُثْبِتَ مِنْهُ، وَهُوَ اثْنَانِ ; فَكَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً مُتَّصِلَةً صَارِفَةً عَنْ إِرَادَةِ الْعُمُومِ، كَمَا لَوْ قَالَ: كُلُّ الرِّجَالِ رَأَيْتُ إِلَّا جَعْفَرًا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>