للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَتَقْرِيرُ هَذَا السُّؤَالِ، أَنَّكُمْ قَدْ عَرَّفْتُمُ الْفِقْهَ: بِأَنَّهُ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ. وَالْعِلْمُ: هُوَ الْحُكْمُ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ، وَالْأَحْكَامُ الْفَرْعِيَّةُ، أَوْ غَالِبُهَا، مَظْنُونَةٌ لَا مَعْلُومَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعْلُومِ وَالْمَظْنُونِ، أَنَّ الْمَعْلُومَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ، كَالْبَدِيهِيَّاتِ وَالتَّوَاتُرِيَّاتِ، وَالْمَظْنُونُ يَحْتَمِلُهُ، كَقَوْلِنَا: جِلْدُ الْمَيْتَةِ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَلَا تَزُولُ النَّجَاسَةُ بِمَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ، فَإِنَّ هَذَا وَإِنِ اعْتَقَدْنَا ظُهُورَهُ، فَخِلَافُهُ مُحْتَمَلٌ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْحَدُّ الْمَذْكُورُ جَامِعًا، فَتَخْرُجُ غَالِبُ الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ عَنْ كَوْنِهَا فِقْهًا.

السُّؤَالُ الثَّانِي: إِنَّ قَوْلَكُمْ: عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ، لَا فَائِدَةَ لَهُ، لِأَنَّ كُلَّ دَلِيلٍ فِي فَنٍّ مِنْ فُنُونِ الْعِلْمِ، فَهُوَ تَفْصِيلِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِكَ الْفَنِّ، لِوُجُوبِ تَطَابُقِ الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ: أَيْ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَا مُتَطَابِقَيْنِ، أَيْ: أَحَدُهُمَا طَبَقُ الْآخَرِ، أَيْ مُسَاوٍ لَهُ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا، بِجَوَازِ كَوْنِ الْفُتْيَا أَعَمَّ مِنَ السُّؤَالِ، نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سُئِلَ: أَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ، فَأَجَابَ عَنِ السُّؤَالِ عَنْ حُكْمٍ بِالْجَوَابِ عَنْ حُكْمَيْنِ، وَلَا بِمَا أَجَازَهُ بَعْضُ النُّظَّارِ، مِنْ جَوَازِ كَوْنِ الْجَوَابِ أَخَصَّ، كَعَكْسِ الْحُكْمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَا لَوْ سُئِلَ عَنِ التَّوَضُّؤِ بِمَاءِ الْبَحْرِ وَأَكْلِ مَيْتَتِهِ، فَقَالَ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ فَحَسْبُ، أَوْ هُوَ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ فَقَطْ، وَكَمَا لَوْ قَالَ السَّائِلُ: هَلْ يَجُوزُ التَّطَوُّعُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ؟ فَيَقُولُ الْمُجِيبُ: يَجُوزُ فِعْلُ ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، لِأَنَّ دَلِيلَ كُلِّ حُكْمٍ مَا يَثْبُتُ بِهِ مُسَاوِيًا لَهُ، وَمَا خَرَجَ عَنْ مَحِلِّ السُّؤَالِ بِعُمُومٍ أَوْ خُصُوصٍ، لَيْسَ دَلِيلًا وَلَا بَعْضًا مِنَ الدَّلِيلِ الْمَسْؤُولِ عَنْهُ، فَالدَّلِيلُ فِي الْحَدِيثِ، هُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِمْ: أَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ أَمَّا قَوْلُهُ: الْحِلُّ مَيْتَتُهُ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مَحِلِّ السُّؤَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>