للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَلَى جِهَةِ ابْتِدَاءِ شَرْعِ هَذَا الْحُكْمِ.

السُّؤَالُ الثَّالِثُ: قَوْلُكُمْ: الْفِقْهُ: الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ، إِنْ أَرَدْتُمْ بِهِ بَعْضَ الْأَحْكَامِ، دَخَلَ الْمُقَلِّدُ فِي الْفِقْهِ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُقَلِّدِينَ يَعْلَمُ بَعْضَ الْأَحْكَامِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، فَيَكُونُ الْحَدُّ الْمَذْكُورُ غَيْرَ مَانِعٍ، وَإِنْ أَرَدْتُمُ الْعِلْمَ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ، لَمْ يَكُنِ الْحَدُّ جَامِعَهَا، بَلْ لَمْ يُوجَدْ فِقْهٌ وَلَا فَقِيهٌ، إِذْ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ لَا يُحِيطُ بِهَا بَشَرٌ، لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ وَغَيْرَهُمْ سُئِلُوا عَنْ بَعْضِ الْأَحْكَامِ، فَقَالُوا: لَا نَدْرِي، كَمَا حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ سِتَّةَ عَشَرَ حُكْمًا مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَقَالَ فِي الْبَاقِي: لَا أَدْرِي. وَحُكِيَ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ: جُنَّةُ الْعَالِمِ لَا أَدْرِي، فَإِذَا أَخْطَأَهَا، أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ. وَالْجُنَّةُ: بِضَمِّ الْجِيمِ السُّتْرَةُ، وَقَوْلُ: لَا أَدْرِي فِي كَلَامِ أَحْمَدَ كَثِيرٌ جِدًّا.

قَوْلُهُ: «وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ» ، هَذَا شُرُوعٌ فِي الْجَوَابِ عَنِ الْأَسْئِلَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى تَرْتِيبِهَا أَوَّلٍ فَأَوَّلٍ.

وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ يُورِدُونَ الْأَسْئِلَةَ ثُمَّ يُورِدُونَ أَجْوِبَتَهَا مُرَتَّبَةً عَلَيْهَا، وَطَرِيقَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ يَذْكُرُونَ جَوَابَ كُلِّ سُؤَالٍ عَقِيبَهُ، وَهَذِهِ أَيْسَرُ عَلَى الْفَهْمِ، وَفِي كِلَا الطَّرِيقَيْنِ حِكْمَةٌ، وَأَنَا سَلَكْتُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ غَالِبًا الطَّرِيقَةَ الْأُولَى، لِأَنَّهَا أَعْوَنُ عَلَى التَّحْقِيقِ وَالِاخْتِصَارِ.

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَقَدْ أُجِيبَ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ الْفِقْهَ مِنْ بَابِ الظُّنُونِ، فَيَخْرُجُ عَنِ التَّعْرِيفِ بِالْعِلْمِ، بِأَنَّ الْحُكْمَ مَعْلُومٌ وَالظَّنَّ فِي طَرِيقِهِ.

وَبَيَانُهُ: أَنَّ الْفَقِيهَ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَا، عَلِمَ قَطْعًا بِحُصُولِ ذَلِكَ الظَّنِّ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ وِجْدَانِيٌّ، كَالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَاللَّذَّةِ وَالْأَلَمِ، يَقْطَعُ الْإِنْسَانُ بِوُجُودِ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ، وَعَلِمَ قَطْعًا بِوُجُوبِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ الظَّنِّ، بِنَاءً عَلَى مَا ثَبَتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>