للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمْ يُبْتَلَ نَبِيٌّ بِهَذِهِ الْبَلْوَى، وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رُسُلَهُ عَمَّا هُوَ دُونَ هَذِهِ الرَّذِيلَةِ، وَبِهَذَا احْتَجَّتْ عَائِشَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ حَيْثُ قَالَتْ: هَبْكَ شَكَكْتَ فِيَّ، أَشَكَكْتَ فِي نَفْسِكَ.

قُلْتُ: هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَيْهِ قَبْلُ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ قَوَاطِعَ فِي بُطْلَانِ قَوْلِ الْحَسَنِ، إِذْ لَهُ أَنْ يُجِيبَ:

عَنِ الْأَوَّلِ ; بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَضَافَهُ إِلَى نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِضَافَةَ فِرَاشٍ، لَا إِضَافَةَ وِلَادَةٍ.

وَعَنِ الثَّانِي بِذَلِكَ أَوْ بِأَنَّ نُوحًا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَلَمْ يُطْلِعْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ مَا.

وَعَنِ الثَّالِثِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِيَانَةِ مَنْصِبِ غَالِبِ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ هَذِهِ الْبَلْوَى ; صِيَانَةُ مَنْصِبِ نُوحٍ عَنْهَا، لِجَوَازِ أَنْ يَخُصَّهُ اللَّهُ بِذَلِكَ، ابْتِلَاءً وَامْتِحَانًا، أَوْ لِشَقَاءِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ، كَمَا خَصَّ امْرَأَةَ لُوطٍ بِالْقِيَادَةِ وَالسِّعَايَةِ فِي اللِّوَاطِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي امْرَأَةِ نَبِيٍّ غَيْرِهِ.

قُلْتُ: وَثَمَّ مَأْخَذٌ آخَرُ لِلْخِلَافِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [هُودٍ: ٤٦] ، فَإِنَّ فِيهِ إِيمَاءً إِلَى مَا قَالَهُ الْحَسَنُ، إِذْ لَوْ كَانَتْ عِلَّةُ إِهْلَاكِهِ الْكُفْرَ، لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ، إِذْ نُوحٌ قَدْ كَانَ يَعْلَمُ كُفْرَ ابْنِهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَمْ يَعْلَمْهُ هُوَ كَوْنُهُ لِغَيْرِ صُلْبِهِ.

وَيُجَابُ عَنْ هَذَا: بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>