. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عُرِفَ مَعْنَى الْحَصْرِ ; فَإِنَّمَا يَقْتَضِيهِ عِنْدَ قَوْمٍ، خِلَافًا لِمُنْكِرِي الْمَفْهُومِ، وَهُوَ أَوْلَى، يَعْنِي عَدَمَ اقْتِضَائِهَا الْحَصْرَ. هَكَذَا ظَهَرَ لِي فِي «الْمُخْتَصَرِ» ، وَعَلَيْهِ تَرَتَّبَ الْبَحْثُ.
قَالَ الْآمِدِيُّ: ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَالْغَزَّالِيُّ، وَالْهَرَّاسِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ تَقْيِيدَ الْحُكْمِ بِإِنَّمَا، ظَاهِرٌ فِي الْحَصْرِ، مُحْتَمَلٌ فِي التَّأْكِيدِ، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لِتَأْكِيدِ الْإِثْبَاتِ، وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْحَصْرِ، قَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
قَوْلُهُ: «الْأَوَّلُونَ» ، أَيِ: احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ عَلَى دَعْوَى الْحَصْرِ بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ «إِنَّمَا» مُرَكَّبَةٌ مِنْ «إِنَّ» وَ «مَا» ; فَـ «إِنَّ» لِلْإِثْبَاتِ، نَحْوَ: إِنَّ زَيْدًا قَائِمٌ، وَ «مَا» لِلنَّفْيِ، نَحْوَ: مَا زَيْدٌ قَائِمٌ ; فَأَفَادَا مُجْتَمِعَيْنِ، يَعْنِي بَعْدَ التَّرْكِيبِ، مَا أَفَادَا مُنْفَرِدَيْنَ، أَيْ: حَالَ إِفْرَادِهِمَا قَبْلَ التَّرْكِيبِ، أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُفِيدُ حَالَ تَرْكِيبِهَا مَا أَفَادَتْهُ حَالَ إِفْرَادِهِمَا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ ; فَيَجِبُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ تُفِيدَ إِنَّمَا إِثْبَاتًا بِاعْتِبَارِ إِنَّ، وَنَفْيًا بِاعْتِبَارِ مَا. ثُمَّ لَا يَخْلُو ; إِمَّا أَنْ تُفِيدَ نَفْيَ الْمَذْكُورِ بَعْدَهَا، وَإِثْبَاتَ مَا عَدَاهُ، أَوْ إِثْبَاتَ مَا بَعْدَهَا، وَنَفْيَ مَا عَدَاهُ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِلَّا لَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِمَنْ عَدَا الْمُعْتِقِ، وَمِنْ قَوْلِنَا: إِنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ، أَنَّ الْقَائِمَ مَنْ عَدَا زَيْدٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَهُوَ إِثْبَاتُ الْمَذْكُورِ، بَعْدَ إِنَّمَا وَنَفْيُ مَا عَدَاهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَصْرِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute