للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [الْمَائِدَةِ: ٩٩] ، {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} [الشُّورَى: ٤٨] ، {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فَاطِرٍ: ٢٣] ، لَكِنَّ الْحَصْرَ بِاعْتِبَارِ الْكُفَّارِ، وَكَوْنِهِ مُنْذِرًا لَهُمْ، وَإِلَّا فَالنَّظَرُ إِلَى كَوْنِهِ عَبْدًا مُكَلَّفًا، عَلَيْهِ سَائِرُ الْوَاجِبَاتِ الدِّينِيَّةِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.

وَمِنْهَا: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الْكَهْفِ: ١١٠] ، حَصَرَ نَفْسَهُ فِي الْبَشَرِيَّةِ، بِالنَّظَرِ إِلَى مَا سَأَلَهُ الْكُفَّارُ عَلَى جِهَةِ الْعَنَتِ مِنْ إِظْهَارِ الْآيَاتِ، وَإِيرَادِهِمْ عَلَيْهِ عَدَمَ إِحَاطَتِهِ بِالْمُغَيَّبَاتِ ; فَحَصَرَ نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ فِي صِفَةِ الْبَشَرِيَّةِ، بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَقَامِ، أَيْ: لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْبَشَرِيَّةُ الصِّرْفَةُ، كَقَوْلِهِ لَمَّا سَأَلُوهُ الْآيَاتِ تَعَنُّتًا: {إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ} [الْعَنْكَبُوتِ: ٥٠] ، {سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الْإِسْرَاءِ: ٩٣] ، وَقَوْلِهِ: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} [الْأَعْرَافِ: ١٨٨] ، {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الْأَحْقَافِ: ٩] ، وَنَحْوِهُ، كُلُّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَّصِفٌ بِكَثِيرٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، كَالنُّبُوَّةِ، وَالرِّسَالَةِ، وَالْحُكْمِ، وَالْعِلْمِ، وَالْجُودِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَمِنْهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النِّسَاءِ: ١٧١] ، يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَتَّصِفُ بِغَيْرِ الْوَحْدَةِ، مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْعُلَى الْكَثِيرَةِ، الَّتِي مِنْهَا التِّسْعَةُ وَالتِّسْعُونَ صِفَةً، الْمَشْهُورَةُ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَإِنَّمَا حَصَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَفْسَهُ الشَّرِيفَةَ فِي صِفَةِ الْوَحْدَةِ، مِنْ جِهَةِ الرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى الْمُثَلِّثَةِ، حَيْثُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [النِّسَاءِ: ١٧١] ; فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ الْخَاصَّةِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ الْخَاصِّ، حَصَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَفْسَهُ الْمُقَدَّسَةَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>