. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْحَصْرِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} [هُودٍ: ١٢] ، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فَاطِرٍ: ٢٣] ، وَكَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ.
قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
أَنَا الرَّجُلُ الْحَامِي الذِّمَارَ وَإِنَّمَا ... يُدَافِعُ عَنْ أَحْسَابِهِ أَنَا أَوْ مِثْلِي
فَحَصَرَ الْمُدَافَعَةَ عَنِ الْأَحْسَابِ فِيهِ، أَوْ فِي مِثْلِهِ، وَلِأَنَّهَا اسْتُعْمِلَتْ لِلْحَصْرِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ بِاتِّفَاقٍ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ.
فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا مُعَارَضٌ بِأَنَّهَا وَرَدَتْ لِغَيْرِ الْحَصْرِ فِي مَوَاضِعَ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ.
قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا وَرَدَتْ لِغَيْرِ الْحَصْرِ أَصْلًا، وَلَا فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ، لَكِنَّ الْحَصْرَ تَابِعٌ لِإِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ، وَالْمُتَكَلِّمُ تَارَةً يُرِيدُ الْحَصْرَ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ، وَتَارَةً مِنْ بَعْضِ الْجِهَاتِ، وَبِبَعْضِ الِاعْتِبَارَاتِ، وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ:
مِنْهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرَّعْدِ: ٧] ، أَيْ: بِاعْتِبَارِ مَنْ لَا يُؤْمِنُ، إِذْ حَظُّهُ مِنْهُ الْإِنْذَارُ لَا غَيْرَ ; فَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَحْصُورٌ فِي كَوْنِهِ مُنْذِرًا، لَا وَصْفَ لَهُ غَيْرُ الْإِنْذَارِ، بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَوْصُوفٌ بِالْبِشَارَةِ، وَالْعِلْمِ، وَالشَّجَاعَةِ، وَكَثِيرٍ مِنَ الصِّفَاتِ.
وَمِنْهَا: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} [النَّحْلِ: ٨٢] ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute