. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
طِبَاعِهِ وَأَمْزِجَتِهِ ظَاهِرٌ، وَبِحَسَبِ اخْتِلَافِ ذَلِكَ تَخْتَلِفُ شَهَوَاتُهُمْ، فَمِنْهُمُ الْمَحْرُورُ الَّذِي يُؤْثِرُ تَنَاوُلَ الْمُبَرِّدَاتِ، وَالْمَقْرُورُ الَّذِي يُؤْثِرُ تَنَاوُلَ الْمُسَخِّنَاتِ وَذُو الْمِزَاجِ الْيَابِسِ الَّذِي يُؤْثِرُ الْمُرَطِّبَاتِ، وَذُو الْمِزَاجِ الرَّطْبِ الَّذِي يُؤْثِرُ تَنَاوُلَ الْمُجَفِّفَاتِ، لِأَنَّ الضِّدَّ مِنْ ذَلِكَ يُقْمَعُ بِضِدِّهِ، وَتَقْتَضِي الطَّبِيعَةُ تَعْدِيلَ الْمِزَاجِ بِتَنَاوُلِهِ، فَلِذَلِكَ جَازَ وُقُوعُ الْإِجْمَاعِ عَلَى قَتْلِ الْقَاتِلِ وَالْمُرْتَدِّ، وَحَدِّ الزَّانِي، وَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَنَحْوِهَا، لِأَنَّا لَمَّا عَلِمْنَا بِالضَّرُورَةِ مِنْ حِكْمَةِ الشَّرْعِ، التَّشَوُّفَ إِلَى حِفْظِ النُّفُوسِ، وَالْأَدْيَانِ، وَالْأَنْسَابِ، وَالْعُقُولِ، وَوَرَدَتْ نُصُوصُ الشَّرْعِ بِعُقُوبَاتِ أَهْلِ هَذِهِ الْجِنَايَاتِ، وَكَانَ ذَلِكَ مُنَاسِبًا فِي النَّظَرِ الْعَقْلِيِّ، لَا جَرَمَ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عُقُوبَاتِ هَؤُلَاءِ، وَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَلَمْ يَجُزِ الِاتِّفَاقُ عَلَى الِاغْتِذَاءِ بِالْبِطِّيخِ أَوِ الْبَاذِنْجَانِ أَوِ السَّمَكِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، مِنْ جَمِيعِ الْأُمَّةِ، لِأَنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ هُنَاكَ أَمْزِجَةً لَا تُوَافِقُ هَذِهِ الْمَآكِلَ، فَلَا يَتَنَاوَلُهَا أَصْحَابُهَا.
وَسِرُّ الْفَرْقِ: أَنَّ الْعَقْلَ أَمْرٌ مُخْتَارٌ، يَدُورُ مَعَ الْحَقِّ حَيْثُ مَا دَارَ، بِخِلَافِ الطَّبْعِ، فَإِنَّهُ مَجْبُورٌ بِقُدْرَةِ الْجَبَّارِ، عَلَى مَا سُخِّرَ لَهُ بِطَرِيقِ الِاضْطِرَارِ، فَبَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لِذَوِي الْأَبْصَارِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: «وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا جَلِيٌّ» .
وَأَمَّا انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْقَاطِعِ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يُبْطِلُ فَائِدَةَ الْإِجْمَاعِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute