. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لِأَنَّهُ كَافٍ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ.
قَوْلُهُ: «وَقِيلَ: إِنَّمَا يُحْكَمُ بِتَصَوُّرِ وُجُودِهِ» يَعْنِي وُجُودَ الْإِجْمَاعِ «عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عِنْدَ قِلَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ» يَعْنِي الْإِمْكَانَ الْمَوْقُوفَ عَلَى آرَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْعَادٍ، كَاتِّفَاقِهِمْ عَلَى قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَنَحْوِهِ، وَصَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ تَوَسَّطَ بَيْنَ إِحَالَةِ وُقُوعِ الْإِجْمَاعِ، وَتَجْوِيزِهِ عَلَى اسْتِبْعَادٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَامَ دَلِيلُ الْجَوَازِ الْعَقْلِيُّ كَمَا مَرَّ، فَانْتَفَتِ الِاسْتِحَالَةُ، وَقَامَ دَلِيلٌ بَعْدَ وُقُوعِ الْإِجْمَاعِ مُطْلَقًا فِي كُلِّ عَصْرٍ، إِذْ مِنَ الْمُسْتَبْعَدِ جِدًّا انْتِشَارُ الْحَادِثَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْبِلَادِ الْوَاسِعَةِ، وَبُلُوغُهَا إِلَى الْأَطْرَافِ الشَّاسِعَةِ، لِيَقِفَ عَلَيْهَا كُلُّ مُجْتَهِدٍ، ثُمَّ يَذْكُرُ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا عَلَيْهِ فِي حُكْمِهَا يَعْتَمِدُ، وَإِلَيْهِ يَسْتَنِدُ ثُمَّ يُطْبِقُونَ فِيهَا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الْعَادَةَ عَلَى هَذَا لَا تُسَاعِدُ، فَلِذَلِكَ ذَهَبَ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى مَا ذَهَبَ، وَلَعَمْرِي إِنَّهُ لِنِعْمَ الْمَذْهَبُ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْحَوَادِثِ تَقَعُ فِي أَقَاصِي الْمَغْرِبِ وَالْمَشْرِقِ، وَلَا يَعْلَمُ بِوُقُوعِهَا مَنْ بَيْنَهُمَا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَمَا وَالَاهُمَا، فَكَيْفَ تَصِحُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ الْكُلِّيِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ هَذِهِ بِإِجْمَاعٍ جُزْئِيٍّ، وَهُوَ إِجْمَاعُ مُجْتَهِدِي الْإِقْلِيمِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute