للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الِاحْتِجَاجِ بِالْإِجْمَاعِ، إِذْ يَبْعُدُ مِنْ حِكْمَةِ الشَّرْعِ أَنْ يَجْعَلَ نُفُوذَ قَوْلِ الْمُجْتَهِدِينَ مَوْقُوفًا عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ، مَعَ قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لَهُمْ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النَّحْلِ: ٤٣] ، إِذْ كَيْفَ يَأْمُرُهُمْ بِسُؤَالِ الْعُلَمَاءِ، ثُمَّ يَجْعَلُهُمْ كَالْأُمَرَاءِ عَلَيْهِمْ، لَا يَنْفُذُ قَوْلُهُمْ إِلَّا بِمُوَافَقَتِهِمْ ; هَذَا بِعِيدٌ جِدًّا، مُنَافٍ لِلْحِكْمَةِ، مُنَافِرٌ لَهَا، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِصْمَةُ لِلْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ. ضَعِيفٌ جِدًّا، إِذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ عِصْمَةِ جَاهِلٍ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، وَأَيْضًا اعْتِبَارُ قَوْلِ الْعَامَّةِ فِي الْإِجْمَاعِ يَعُودُ بِبُطْلَانِ الْإِجْمَاعِ، لِكَثْرَةِ الْعَامَّةِ، وَتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ، فَإِنَّهُمْ لِقِلَّتِهِمْ لَا يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فِيهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الْعَوَّامُّ فِي الْإِجْمَاعِ الْعَامِّ، كَتَحْرِيمِ الطَّلَاقِ، وَالرِّبَا، وَالزِّنَى، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، دُونَ الْإِجْمَاعِ الْخَاصِّ الْحَاصِلِ فِي دَقَائِقِ الْفِقْهِ.

قُلْتُ أَنَا: هَذَا أَقْرَبُ مِنْ إِطْلَاقِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ اعْتِبَارَ قَوْلِهِمْ مَعَ أَنَّ هَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْعَامَّ يَحْتَاجُ إِلَى أَهْلِيَّةِ النَّظَرِ، وَالْعَامِّيُّ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ فَإِنْ أُحِيلَ اعْتِبَارُ قَوْلِهِ فِي الْإِجْمَاعِ الْعَامِّ عَلَى الْعِصْمَةِ لِلْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ ; كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ; وَجَبَ طَرْدُ ذَلِكَ، حَتَّى فِي دَقَائِقِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهَا، إِذْ ذَلِكَ يَكُونُ اعْتِمَادًا عَلَى تَأْيِيدٍ إِلَهِيٍّ، عَلَى نَحْوِ التَّأْيِيدِ لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ بِرُوحِ الْقُدُسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>