للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ بِالتَّحْرِيمِ، وَلَوْ ظَهَرَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمُجْمِعِينَ دَلِيلُ الْإِبَاحَةِ، جَازَ لَهُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَمْ يَكْمُلْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، فَلَا يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِ غَيْرِهِ بِالتَّحْرِيمِ، فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِي الْكَافِرِ الْمُتَأَوِّلِ، وَالْفَاسِقِ بِاعْتِقَادٍ أَوْ فِعْلٍ، وَقَدْ يَتَّحِدَانِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ النَّظَرِ، لِأَنَّ الْقَائِلَ بِبِدْعَةٍ إِنْ حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ، فَهُوَ كَافِرٌ مُتَأَوِّلٌ، وَإِنْ لَمْ نُكَفِّرْهُ فَهُوَ فَاسِقٌ.

فَائِدَةٌ: الْمُخْتَارُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُكَفَّرُ بِبِدْعَةٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، مَا اسْتَنَدَ فِيهَا إِلَى تَأْوِيلٍ يَلْتَبِسُ بِهِ الْأَمْرُ عَلَى مِثْلِهِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُ جَمِيعِ مُبْتَدِعَةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ كَذَلِكَ، إِذَا عُرِفَ مِنْهُمُ الصِّدْقُ وَالْعَدَالَةُ فِي بِدْعَتِهِمْ، كَمَا قُلْنَا: إِنَّ الْكَافِرَ الْعَدْلَ فِي دِينِهِ ; يَلِي مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، لِأَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَتِ الْعَدَالَةُ مَعَ الْكُفْرِ، فَمَعَ الْبِدْعَةِ أَوْلَى.

وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ قَبِلُوا أَخْبَارَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الْغَلِيظَةِ، لِصِدْقِهِمْ وَعَدَالَتِهِمْ فِي بِدْعَتِهِمْ.

قَوْلُهُ: «وَلَا يُعْتَبَرُ لِلْمُجْمِعِينَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ» أَيْ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْلُغَ الْمُجْمِعُونَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ «فِي الْأَكْثَرِ» أَيْ: عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ «إِذِ الْعِصْمَةُ لِلْأُمَّةِ» أَيْ: لِأَنَّ الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ دَلَّ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ، فَسَوَاءٌ بَلَغَتْ عَدَدَ التَّوَاتُرِ، أَوْ لَمْ تَبْلُغْ، كَانَ اتِّفَاقُهَا مَعْصُومًا «فَلَوْ» قُدِّرَ أَنَّ الْأُمَّةَ «انْحَصَرَتْ فِي وَاحِدٍ» بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا إِلَّا هُوَ، كَمَا قَدْ وُعِدَ بِمِثْلِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، أَوْ كَانَ مُجْتَهِدٌ وَاحِدٌ بَيْنَ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ، وَاحْتَاجَ إِلَى الْحُكْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>