للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حَلَالٌ رَأْسَ مُحْرِمٍ، وَقَدَرَ عَلَى الِامْتِنَاعِ، فَلَمْ يَمْتَنِعْ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ إِذْنٌ، فَهَلِ الْفِدْيَةُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْحَالِقِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، لِأَنَّ سُكُوتَهُ هَاهُنَا قَوِيٌّ، لِاقْتِرَانِهِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَنْعِ، فَصَارَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْإِذْنِ الْمَحْضِ، وَالسُّكُوتِ الْمَحْضِ، وَسُكُوتُ أَحَدِ الْمُتَنَاظِرَيْنِ عَنِ الْجَوَابِ لَا يُعَدُّ انْقِطَاعًا فِي التَّحْقِيقِ، إِلَّا بِإِقْرَارٍ مِنْهُ، أَوْ قَرِينَةِ حَالٍ ظَاهِرَةٍ، مِثْلَ أَنْ يُعْرَفَ بِحُبِّ الْمُنَاظَرَةِ، وَقَهْرِ الْخُصُومِ، وَتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى ذَلِكَ، فَهَذَا سُكُوتُهُ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنِ انْقِطَاعٍ.

أَمَّا لَوِ انْتَفَتِ الْقَرِينَةُ، لَمْ يَدُلَّ سُكُوتُهُ عَلَى الِانْقِطَاعِ، لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ اسْتِحْضَارِ الدَّلِيلِ، وَتَرَفُّعِهِ عَنِ الْخَصْمِ لِظُهُورِ بَلَادَتِهِ، أَوْ تَعْظِيمِهِ، وَإِجْلَالِهِ عَنِ انْقِطَاعِهِ مَعَهُ، أَوْ إِفْضَاءِ الْمُنَاظَرَةِ إِلَى الرِّيَاءِ، وَسُوءِ الْقَصْدِ، فَيُحِبُّ السَّلَامَةَ بِالسُّكُوتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ، وَلِذَلِكَ اشْتُهِرَ بَيْنَ الْعَامَّةِ، إِذَا قَرَّرُوا شَخْصًا بِأَمْرٍ، فَسَكَتَ، قَالُوا: سُكُوتُهُ إِقْرَارُهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُطْلَقًا، بَلْ إِنْ ظَهَرَتْ قَرَائِنُ الْإِقْرَارِ، دَلَّ سُكُوتُهُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ، نَحْوَ: خُذْ، وَأَعْطِنِي، أَوْ يَتَعَاطَيَانِ بِلَا قَوْلٍ أَصْلًا مِنْ إِيجَابٍ وَقَبُولٍ، فَالْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ: لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ مَالَ الْغَيْرِ حَرَامٌ إِلَّا بِالتَّرَاضِي وَهُوَ خَفِيٌّ فِي النَّفْسِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>