للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْحَيَاةِ، وَهَذِهِ النَّشْأَةِ، أَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى أَوَّلِ أَزْمِنَةِ التَّكْلِيفِ، فَهُوَ يَوْمُ أَخْذِ الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ النَّظَرُ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ.

وَأَمَّا رَفْعُ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، فَنَقُولُ: الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ عَدَمِ اشْتِغَالِهَا بِالْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ.

أَمَّا دَوَامُ ذَلِكَ الْعَدَمِ إِلَى حِينِ الدَّعْوَى، فَلَا قَاطِعَ بِهِ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ هَذَا الْغَرِيمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ حَقِّ خَصْمِهِ، شَغَلَهَا بِأَنْ غَصَبَهُ، أَوِ اقْتَرَضَ مِنْهُ، أَوِ اشْتَرَى مِنْهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَالْمُدَّعِي يَدَّعِي تَجْدِيدَ شَغْلِ ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِهَا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَيَدَّعِي اسْتِمْرَارَ فَرَاغِ ذِمَّتِهِ وَدَوَامَهُ، فَصَارَ اخْتِلَافُهُمَا فِي دَوَامِ فَرَاغِ الذِّمَّةِ وَعَدَمِهِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى فَرَاغِهَا الْأَصْلِيِّ، كَالِاخْتِلَافِ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْإِجْمَاعِ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ. وَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ الْبَيِّنَةُ الشَّرْعِيَّةُ الظَّنِّيَّةُ رَافِعَةً لِأَمْرٍ قَطْعِيٍّ، لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ هُوَ ثُبُوتُ مُجَرَّدِ عَدَمِ شَغْلِ الذِّمَّةِ، وَالْبَيِّنَةُ لَا تَرْفَعُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَرْفَعُ دَوَامَ ذَلِكَ الْعَدَمِ، وَهُوَ ظَنِّيٌّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَصَارَتِ الْبَيِّنَةُ كَالْمُرَجِّحِ لِقَوْلِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ الْمُتَنَازِعَيْنِ، وَهُوَ الْمُدَّعِي.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَقْرِيرٌ مُتَّجِهٌ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَرَّرَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ إِنَّمَا جُعِلَتْ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، لِأَنَّ جَانِبَ الْمُدَّعِي ضَعِيفٌ، لِدَعْوَاهُ خِلَافَ الْأَصْلِ، وَهُوَ اشْتِغَالُ ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فَرَاغُهَا، وَجَانِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَوِيٌّ لِدَعْوَاهُ وَفْقَ الْأَصْلِ، وَهُوَ فَرَاغُ ذِمَّتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>