للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِنَ الْحَقِّ، وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنَ الْيَمِينِ، فَجُعِلَتِ الْحُجَّةُ الَّتِي هِيَ أَقْوَى فِي جَانِبِ الْأَضْعَفِ، وَالَّتِي هِيَ أَضْعَفُ فِي جَانِبِ الْأَقْوَى تَعْدِيلًا.

قُلْنَا: هَذَا لَا يُشْكِلُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ؛ لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَقْتَضِي كَوْنَ جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُنْكِرُ رَاجِحًا، لَكِنَّ الرُّجْحَانَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَاطِعًا أَوْ غَيْرَ قَاطِعٍ، وَرُجْحَانُ جَانِبِ الْمُنْكِرِ غَيْرُ قَاطِعٍ؛ لِمَا قَرَّرْنَاهُ مِنَ اخْتِلَافِهِمَا فِي دَوَامِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ الْقَاطِعَةِ.

وَحِينَئِذٍ نَقُولُ: جَانِبُ الْمُنْكِرِ رَاجِحٌ لِحُصُولِ الْقَطْعِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِالْجُمْلَةِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ. فَلِهَذَا الرُّجْحَانِ ضَمَمْنَا إِلَيْهِ الْحُجَّةَ الضَّعِيفَةَ، وَهِيَ الْيَمِينُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ الرُّجْحَانُ قَاطِعًا، حَتَّى يَكُونَ رَفْعُهُ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ رَفْعًا لِلْقَاطِعِ بِالظَّنِّيِّ، وَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: «وَنَافِي الْحُكْمِ يَلْزَمُهُ الدَّلِيلُ، خِلَافًا لِقَوْمٍ. وَقِيلَ: فِي الشَّرْعِيَّاتِ فَقَطْ» .

اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي الْمُسْتَدِلِّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ: مَا الْأَمْرُ كَذَا، أَوْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَا، فَالْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ الَّذِي ادَّعَى نَفْيَهُ، وَلَا يَكْفِيهِ مُجَرَّدُ دَعْوَى النَّفْيِ.

وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَلْزَمُهُ الدَّلِيلُ عَلَى النَّفْيِ، كَأَنَّهُمُ اكْتَفَوْا بِكَوْنِ دَعْوَاهُ مُوَافِقَةً لِلْأَصْلِ، وَهُوَ عَدَمُ الْأَشْيَاءِ وَانْتِفَاؤُهَا، فَمَنِ ادَّعَى وُجُودَهَا وَثُبُوتَهَا، فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَلِهَذَا بَنَى بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ حُجَّةٌ أَمْ لَا؟

إِنْ قُلْنَا: هُوَ حُجَّةٌ، فَلَا دَلِيلَ عَلَى النَّافِي

وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ بِحُجَّةٍ، فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>