للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [الْبَقَرَةِ: ١١١] ، فَهَذِهِ دَعْوَى نَافِيَةٌ، فَأَجَابَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [الْبَقَرَةِ: ١١١] ، ثُمَّ أَمَرَ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمُطَالَبَتِهِمْ بِدَلِيلِ دَعْوَاهُمُ النَّافِيَةِ، فَقَالَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الْبَقَرَةِ: ١١١] ، أَيْ: أَقِيمُوا الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى، وَهُوَ إِلْزَامٌ بِالدَّلِيلِ عَلَى دَعْوَى النَّفْيِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ نَافِيَ الْحُكْمِ لَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّلِيلُ، لَضَاعَ الْحَقُّ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَتَعَطَّلَ، لَكِنَّ تَعَطُّلَ الْحَقِّ بَاطِلٌ، فَالْمُفْضِي إِلَيْهِ بَاطِلٌ، إِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ لَتَعَطَّلَ الْحَقُّ، «لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْخَصْمَيْنِ يُمْكِنُهُ» أَنْ يُعَبِّرَ «عَنْ دَعْوَاهُ بِعِبَارَةٍ نَافِيَةٍ» فَيَقُولُ الْمُدَّعِي لِحُدُوثِ الْعَالَمِ: «لَيْسَ بِقَدِيمٍ» وَيَقُولُ الْمُدَّعِي لِقِدَمِهِ: «لَيْسَ بِمُحْدَثٍ» . وَحِينَئِذٍ «يَسْقُطُ الدَّلِيلُ عَنْهُمَا» لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَافٍ لِلْحُكْمِ، وَإِذَا سَقَطَ الدَّلِيلُ عَنْهُمَا ضَاعَ الْحَقُّ، فَلَمْ يُعْلَمْ فِي أَيِّ طَرَفٍ هُوَ، إِذْ لَا يَظْهَرُ الْحَقُّ إِلَّا بِدَلِيلٍ. وَحِينَئِذٍ «تَعُمُّ الْجَهَالَةُ، وَيَقَعُ الْخَبْطُ» فِي الْأَحْكَامِ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ تَعَطُّلَ الْحَقِّ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَوْ تَعَطَّلَ لَقَامَ الْبَاطِلُ، إِذْ هُمَا ضِدَّانِ، أَوْ نَقِيضَانِ، لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَقِيَامُ الْبَاطِلِ وَظُهُورُهُ بَاطِلٌ، فَثَبَتَ أَنَّ سُقُوطَ الدَّلِيلِ عَنِ النَّافِي بَاطِلٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>