. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قُلْتُ: يَعْنِي الْحُكْمَ بِتَطْهِيرِهَا إِذَا تَنَجَّسَتْ أَوْ نَفْسَ مُعَالَجَتِهَا لِتَطْهُرَ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ.
قَالَ: وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
فَأَحَدُ نَوْعَيِ الْقِيَاسِ مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ، وَالثَّانِي مَا ظَهَرَ فَسَادُهُ، وَاسْتَتَرَتْ صِحَّتُهُ وَأَثَرُهُ.
وَأَحَدُ نَوْعَيِ الِاسْتِحْسَانِ مَا قَوِيَ أَثَرُهُ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا، وَالثَّانِي مَا ظَهَرَ أَثَرُهُ، وَخَفِيَ فَسَادُهُ.
قَالَ: وَلَمَّا كَانَتِ الْعِلَّةُ عِنْدَنَا عِلَّةً بِأَثَرِهَا لَا بِظُهُورِهَا، سَمَّيْنَا مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ قِيَاسًا، وَمَا قَوِيَ أَثَرُهُ اسْتِحْسَانًا، أَيْ: قِيَاسًا مُسْتَحْسَنًا، وَقَدَّمْنَا الثَّانِيَ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا - عَلَى الْأَوَّلِ - وَإِنْ كَانَ جَلِيًّا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ دُونَ الْجَلَاءِ وَالظُّهُورِ، وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ:
أَحَدُهَا: الدُّنْيَا ظَاهِرَةٌ، وَالْعُقْبَى بَاطِنَةٌ، لَكِنَّ أَثَرَهَا وَهُوَ الدَّوَامُ وَالْخُلُودُ، وَصَفْوُ الْعَيْشِ أَقْوَى مِنْ أَثَرِ الدُّنْيَا، وَهُوَ ضِدُّ ذَلِكَ.
الثَّانِي: النَّفْسُ فِي الْبَدَنِ أَظْهَرُ فِي الْقَلْبِ، لَكِنَّ الْقَلْبَ أَقْوَى أَثَرًا لِدَوَرَانِ صَلَاحِ الْجَسَدِ وَفَسَادِهِ مَعَ صَلَاحِ الْقَلْبِ وَفَسَادِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا، كَمَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ الصَّحِيحُ.
الثَّالِثُ: الْبَصَرُ أَظْهَرُ مِنَ الْعَقْلِ، لَكِنَّ أَثَرَ الْعَقْلِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ أَعَمُّ، وَإِدْرَاكَهُ أَوْثَقُ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْغَلَطِ فِي الْمَحْسُوسَاتِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْمَعْقُولَاتِ.
فَلِذَلِكَ سَقَطَ الْقِيَاسُ إِذَا عَارَضَهُ الِاسْتِحْسَانُ؛ لِقُوَّةِ التَّأْثِيرِ وَعَدَمِ الْقِيَاسِ فِي التَّقْدِيرِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنَّ سُؤْرَ سِبَاعِ الطَّيْرِ نَجِسٌ، كَسُؤْرِ سِبَاعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute