. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْبَهَائِمِ بِجَامِعِ تَحْرِيمِ الْأَكْلِ فِيهِمَا، وَالِاسْتِحْسَانُ يَقْتَضِي أَنَّهُ طَاهِرٌ فَرْقًا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ سِبَاعَ الْبَهَائِمِ إِنَّمَا نَجِسَ سُؤْرُهَا لِمُجَاوَرَتِهِ رُطُوبَةَ فَمِهَا وَلُعَابِهَا، بِخِلَافِ سِبَاعِ الطَّيْرِ، فَإِنَّهَا تَشْرَبُ بِمِنْقَارِهَا، وَهُوَ عَظْمٌ يَابِسٌ طَاهِرٌ خَالٍ عَنْ مُجَاوَرَةِ نَجِسٍ. وَإِذَا كَانَ عَظْمُ الْمَيْتَةِ طَاهِرًا ; فَعَظْمُ الْحَيِّ أَوْلَى. فَهَذَا أَثَرٌ قَوِيٌّ بَاطِنٌ، فَسَقَطَ لَهُ حُكْمُ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ.
وَأَمَّا عَكْسُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي اسْتَتَرَتْ صِحَّتُهُ، وَعَارَضَهُ اسْتِحْسَانٌ اسْتَتَرَ فَسَادُهُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ فِي مَنْ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ: يَجُوزُ أَنْ يَرْكَعَ بَدَلًا مِنَ السُّجُودِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: ٢٤] ، فَدَلَّ عَلَى قِيَامِ الرُّكُوعِ مَقَامَ السُّجُودِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَنَا بِالسُّجُودِ، وَالرُّكُوعُ خِلَافُهُ، فَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ، كَمَا فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ، فَهَذَا أَثَرٌ ظَاهِرٌ لِهَذَا الِاسْتِحْسَانِ، لَكِنَّ الْقِيَاسَ لَهُ أَثَرٌ بَاطِنٌ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ وَأَوْلَى.
وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ السُّجُودَ عِنْدَ التِّلَاوَةِ لَيْسَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّوَاضُعُ عِنْدَ التِّلَاوَةِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ مِنَ الرُّكُوعِ، بِخِلَافِ رُكُوعِ الصَّلَاةِ وَسُجُودِهَا ; فَإِنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مَقْصُودَتَانِ، فَلَا يَقُومُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ، فَصَارَ الْأَثَرُ الْخَفِيُّ مَعَ الْفَسَادِ الظَّاهِرِ أَوْلَى مِنَ الْأَثَرِ الظَّاهِرِ مَعَ الْفَسَادِ الْخَفِيِّ.
هَذِهِ جُمْلَةٌ صَالِحَةٌ مِنْ كَلَامِهِ بِمَعْنَاهُ، وَهُوَ - كَمَا تَرَاهُ - جَيِّدٌ حَسَنٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، فَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ لَمْ يَفْهَمُوا مَقْصُودَهُمْ حَيْثُ رَدُّوا عَلَيْهِمْ فِي الْقَوْلِ بِالِاسْتِحْسَانِ، إِذْ قَدِ اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهِ أَقْوَى الْقِيَاسَيْنِ وَأَظْهَرُهُمَا أَثَرًا.
قُلْتُ: وَهَكَذَا حَكَىَ ابْنُ الْمِعْمَارِ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute