. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قُلْتُ: وَمِنْ مَذْهَبِنَا أَيْضًا سَدُّ الذَّرَائِعِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا بِإِبْطَالِ الْحِيَلِ، وَلِذَلِكَ أَنْكَرَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ عَلَى أَبِي الْخَطَّابِ وَمَنْ تَابَعَهُ عَقْدَ بَابٍ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ يَتَضَمَّنُ الْحِيلَةَ عَلَى تَخْلِيصِ الْحَالِفِ مِنْ يَمِينِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَجَعَلُوهُ مِنْ بَابِ الْحِيَلِ الْبَاطِلَةِ، وَهِيَ التَّوَصُّلُ إِلَى الْمُحَرَّمِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ، وَقَدْ صَنَّفَ شَيْخُنَا تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَةَ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - كَتَابًا بَنَاهُ عَلَى بُطْلَانِ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ، وَأَدْرَجَ جَمِيعَ قَوَاعِدِ الْحِيَلِ، وَبَيَّنَ بُطْلَانَهَا بِأَدِلَّتِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: اعْلَمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَسَّمُوا الْمَصْلَحَةَ إِلَى مُعْتَبَرَةٍ، وَمُلْغَاةٍ وَمُرْسَلَةٍ ضَرُورِيَّةٍ، وَغَيْرِ ضَرُورِيَّةٍ تَعَسَّفُوا وَتَكَلَّفُوا، وَالطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِ الْمَصَالِحِ أَعَمُّ مِنْ هَذَا وَأَقْرَبُ، وَذَلِكَ بِأَنْ نَقُولَ: قَدْ ثَبَتَ مُرَاعَاةُ الشَّرْعِ لِلْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ بِالْجُمْلَةِ إِجْمَاعًا، وَحِينَئِذٍ نَقُولُ:
الْفِعْلُ إِنْ تَضَمَّنَ مَصْلَحَةً مُجَرَّدَةً، حَصَّلْنَاهَا، وَإِنْ تَضَمَّنَ مَفْسَدَةً مُجَرَّدَةً، نَفَيْنَاهَا، وَإِنْ تَضَمَّنَ مَصْلَحَةً مِنْ وَجْهٍ وَمَفْسَدَةً مِنْ وَجْهٍ، فَإِنِ اسْتَوَى فِي نَظَرِنَا تَحْصِيلُ الْمَصْلَحَةِ، وَدَفْعُ الْمَفْسَدَةِ، تَوَقَّفْنَا عَلَى الْمُرَجِّحِ، أَوْ خَيَّرْنَا بَيْنَهُمَا كَمَا قِيلَ فِي مَنْ لَمْ يَجِدْ مِنَ السُّتْرَةِ إِلَّا مَا يَكْفِي أَحَدَ فَرْجَيْهِ فَقَطْ. هَلْ يَسْتُرُ الدُّبُرَ؛ لِأَنَّهُ مَكْشُوفًا أَفْحَشُ، أَوِ الْقُبُلَ؛ لِاسْتِقْبَالِهِ بِهِ الْقِبْلَةَ؟ أَوْ يَتَخَيَّرُ لِتَعَارُضِ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَالْمَفْسَدَتَيْنِ؟ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوِ ذَلِكَ، بَلْ تَرَجَّحَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ تَحْصِيلُ الْمَصْلَحَةِ أَوْ دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ، فَعَلْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالرَّاجِحِ مُتَعَيِّنٌ شَرْعًا، وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَتَخَرَّجُ كُلُّ مَا ذَكَرُوهُ فِي تَفْصِيلِهِمُ الْمَصْلَحَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute