. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أَمَّا الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا كَالْقِيَاسِ، فَمَصْلَحَتُهُ ظَاهِرَةٌ مُجَرَّدَةٌ، أَوْ رَاجِحَةٌ، وَأَمَّا الْمُلْغَاةُ كَمَنْعِ زِرَاعَةِ الْعِنَبِ، وَالشَّرِكَةِ فِي سُكْنَى الدُّورِ، فَلِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ وَالْمَفْسَدَةَ تَعَارَضَتَا فِيهِمَا، لَكِنَّ مَصْلَحَتَهُمَا ضَعِيفَةٌ وَمَفْسَدَتَهُمَا عَظِيمَةٌ، فَكَانَ نَفْيُهَا أَرْجَحَ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ النَّفْعِ الْمُتَحَقِّقِ مِنْ زِرَاعَةِ الْعِنَبِ، وَالِارْتِفَاقِ الْمُتَحَقِّقِ بِالشَّرِكَةِ فِي السُّكْنَى لِأَجْلِ مَفْسَدَةٍ مَوْهُومَةٍ، وَهِيَ اعْتِصَارُ الْخَمْرِ، وَحُصُولُ الزِّنَى، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَفْسَدَةَ مَظْنُونَةٌ، لَكِنَّهَا غَيْرُ قَاطِعَةٍ. وَالْمَصْلَحَةُ الَّتِي تُقَابِلُهَا قَاطِعَةٌ، فَكَانَ تَحْصِيلُهَا بِالْتِزَامِ الْمَفْسَدَةِ الْمَظْنُونَةِ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ، وأَيْضًا فَإِنَّ الْمَفْسَدَةَ الْمَذْكُورَةَ خَاصَّةٌ، وَالْمَصْلَحَةَ الَّتِي تُقَابِلُهَا عَامَّةٌ، وَالْتِزَامُ مَفْسَدَةٍ خَاصَّةٍ، أَيْ: قَلِيلَةٍ؛ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ كَثِيرَةٍ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ.
وَبَيَانُهُ: أَنَّ مَنَافِعَ الْعِنَبِ كَثِيرَةٌ، فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ حُصْرُمًا عَلَى حَالِهِ، وَطَبِيخًا، وَعِنَبًا، وَعَصِيرًا، وَزَبِيبًا، فَهَذِهِ خَمْسُ مَنَافِعَ، وَلَعَلَّ فِيهِ غَيْرَهَا، وَالْمَمْنُوعُ مِنْ مَنَافِعِهِ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْخَمْرُ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي عَلَى لِسَانِ الشَّرْعِ: ابْنُ آدَمَ، لَكَ ثَمَرَةُ الْكَرْمِ حُصْرُمًا، وَعِنَبًا، وَعَصِيرًا، وَزَبِيبًا، فَهُنَّ أَرْبَعٌ لَكَ، فَاتْرُكْ لِيَ الْخَامِسَةَ: النَّصِيرُ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الْأَنْفَالِ: ٤١] ، فَتَحْصِيلُ هَذِهِ الْمَنَافِعِ الْمُبَاحَةِ بِزِرَاعَةِ الْعِنَبِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا لِمَفْسَدَةِ خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ مُحَرَّمَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute