الثَّالِثُ: الْقِيَاسُ اعْتِبَارٌ، وَالِاعْتِبَارُ مَأْمُورٌ بِهِ، فَالْقِيَاسُ مَأْمُورٌ بِهِ.
أَمَّا الْأُولَى، فَلُغَوِيَّةٌ كَمَا سَبَقَ.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: اعْتَبِرُوا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا فِي سِيَاقِهِ.
الرَّابِعُ: «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قَالَ لَهُ: إِنْ قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ: أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ، لَوْ كَانَ عَلَى أَحَدِكُمْ دَيْنٌ فَقَضَاهُ بِالدِّرْهَمِ وَالدِّرْهَمَيْنِ أَكَانَ يُجْزِئُ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَاللَّهُ أَكْرَمُ، وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ فِي الْوَقَائِعِ كَتَقْدِيمِهِمْ أَبَا بَكْرٍ فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى قِيَاسًا عَلَى تَقْدِيمِهِ فِي الصُّغْرَى، وَقِيَاسِهِ الزَّكَاةَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي قِتَالِ الْمُمْتَنِعِ مِنْهَا، وَتَقْدِيِمِهِمْ عُمَرَ قِيَاسًا لِعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ إِلَيْهِ عَلَى عَقْدِهِمْ إِمَامَةَ أَبِي بَكْرٍ فِي قَضَايَا كَثِيرَةٍ، وَإِجْمَاعُهُمْ حُجَّةٌ، لَا يُقَالُ: هَذِهِ الْأَخْبَارُ آحَادٌ لَا يَثْبُتُ بِهَا أَصْلٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هِيَ تَوَاتُرٌ مَعْنَوِيٌّ كَسَخَاءِ حَاتِمٍ، وَشَجَاعَةِ عَلِيٍّ.
ــ
الْوَجْهُ «الثَّالِثُ» مِنْ أَدِلَّةِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورَةِ فِي «الْمُخْتَصَرِ» : أَنَّ «الْقِيَاسَ اعْتِبَارٌ، وَالِاعْتِبَارُ مَأْمُورٌ بِهِ، فَالْقِيَاسُ مَأْمُورٌ بِهِ» .
«أَمَّا» الْمُقَدِّمَةُ «الْأُولَى» ، وَهِيَ أَنَّ الْقِيَاسَ اعْتِبَارٌ فَهِيَ «لُغَوِيَّةٌ» ، أَيْ: طَرِيقُ مَعْرِفَتِهَا اللُّغَةُ «كَمَا سَبَقَ» فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَأَنَّهُ التَّقْدِيرُ وَالِاعْتِبَارُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعُبُورِ، وَهُوَ الْمُجَاوَزَةُ، وَمِنْهُ الْمِعْبَرُ؛ لِأَنَّهُ يُجَاوِزُ بِالنَّاسِ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيِ الْبَحْرِ إِلَى الْآخَرِ، وَعَابِرُ الْمَنَامِ؛ لِأَنَّهُ يَعْبُرُ حَالَ الْمَنَامِ إِلَى مَا يُشْبِهُهُ فِي الْيَقَظَةِ، وَكَذَلِكَ الْقِيَاسُ يُجَاوِزُ بِحُكْمِ الْمَنْصُوصِ إِلَى غَيْرِهِ، وَيَعْبُرُ مِنْهُ إِلَيْهِ، فَكَانَ الْقِيَاسُ اعْتِبَارًا بِحُكْمِ الِاشْتِقَاقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute