للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْقِيَاسِ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ عَلَى بُطْلَانِهِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، فَإِنْ صَحَّ احْتِجَاجُهُ بِالْقِيَاسِ هَاهُنَا، فَلِمَ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ مُطْلَقًا؟ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ احْتِجَاجُهُ بِهِ، لَمْ يَقْدَحْ فِي احْتِجَاجِنَا بِالْقِيَاسِ، وَأَيْضًا إِذَا اعْتَقَدَ الْخَصْمُ صِحَّةَ الِاحْتِجَاجِ فِي أَصْلٍ كَبِيرٍ وَهُوَ بُطْلَانُ الْقِيَاسِ، فَلِمَ لَا يَصِحُّ احْتِجَاجُنَا فِي الْفُرُوعِ الْيَسِيرَةِ الْخَطْبِ؟ .

قَوْلُهُ: «ثُمَّ بَيْنَ الشَّارِعِ وَغَيْرِهِ فَرْقٌ يُدْرَكُ بِالنَّظَرِ» : بَيَانُ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ مَنَاطُ ثُبُوتِهَا الظَّنُّ تَوْسِيعًا لِمَجَارِي التَّكْلِيفِ، وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ لَا تُنْقَلُ عَنْهُمْ إِلَّا بِطَرِيقٍ قَاطِعٍ ; إِمَّا احْتِيَاطًا لِحُقُوقِهِمْ لِمَا اخْتَصُّوا بِهِ مِنَ الْحَاجَةِ وَالْفَقْرِ الْمُوجِبِ لِتَضْيِيقِ الْأَمْرِ فِي حُقُوقِهِمْ، أَوْ لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ فِي الْأَصْلِ مِلْكٌ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ، فَتُعُبِّدَ فِي زَوَالِهَا بِالطَّرِيقِ الْقَاطِعِ، وَأَثْبَتَ التَّكَالِيفَ الشَّرْعِيَّةَ بِالطُّرُقِ الْمَظْنُونَةِ، وَلِلَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَنْ يَفْعَلَ فِي مُلْكِهِ مَا يَشَاءُ.

وَمِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا فُعِلَ بِحَضْرَتِهِ شَيْءٌ، فَأَقَرَّ عَلَيْهِ، اسْتُفِيدَ مِنْ ذَلِكَ رِضَاهُ بِهِ بِشَرْطِهِ لِحُصُولِ الظَّنِّ بِذَلِكَ، وَلَوْ أَنَّ شَخْصًا بَاعَ مَالَ إِنْسَانٍ بِحَضْرَتِهِ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ، فَسَكَتَ، وَلَمْ يُنْكِرْ، بَلْ أَظْهَرَ الِاسْتِبْشَارَ وَالْفَرَحَ ; لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ حَتَّى يُصَرِّحَ بِالْإِيجَابِ، أَوْ يُعْلَمَ رِضَاهُ أَوْ يُوَكِّلَ فِيهِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الشَّرْعَ فِي حُقُوقِ الْمَخْلُوقِينَ ضَيَّقَ غَايَةَ التَّضْيِيقِ بِخِلَافِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يَلْزَمُكُمْ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ، فَإِنَّ التَّرَاضِيَ فِي الْبَيْعِ شَرْطٌ بِالنَّصِّ، وَهُوَ أَمْرٌ بَاطِنٌ خَفِيٌّ، وَلَمْ تَعْتَبِرُوا لَهُ صِيغَةَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهَذَا حَقُّ آدَمِيٍّ قَدْ أَزَلْتُمُوهُ عَنْهُ بِغَيْرِ طَرِيقٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>