للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَمِثَالُهُ: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ قَتْلِ الْمُرْتَدَّةِ؛ لِكَوْنِ الْعِلَّةِ فِي الْمُرْتَدَّةِ لَيْسَتْ بِتَبْدِيلِ الدِّينِ، بَلْ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وُجِدَ فِيهَا نَصٌّ خَاصٌّ عِنْدَهُ مَنَعَ مِنْ قَتْلِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ، وَالْعِلَّةُ فِي قَوْلِهِ: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ فَلَيْسَ لِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَقُولَ لِلْحَنْبَلِيِّ أَوِ الشَّافِعِيِّ: إِنْ سَلَّمْتَ أَنَّ عِلَّةَ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ إِعَانَةُ الْعَدُوِّ وَإِلَّا مَنَعْتَ قَتْلَهُ، مَعَ أَنَّ قَتْلَهُ مَذْهَبٌ لِإِمَامِهِ.

وَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ إِنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْعَهُ عَلَى مَذْهَبِ إِمَامِهِ، فَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ كَذَلِكَ، أَيْ: أَنَّهُ مَنَعَ مَا ثَبَتَ مَذْهَبًا لِإِمَامِهِ، أَمَّا لَوْ مَنَعَ عَلَى مَذْهَبِ إِمَامِهِ مَنْعًا صَحِيحًا، مِثْلُ أَنْ قِيلَ لَهُ: جِلْدُ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ، فَلَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ كَجِلْدِ الْكَلْبِ، فَمَنَعَ حُكْمَ الْأَصْلِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَذْهَبُ إِمَامِهِ، وَإِنْ مَنَعَ عَلَى غَيْرِ مَذْهَبِ إِمَامِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَصَدَّى لِتَقْرِيرِهِ، فَكَيْفَ يَعْدِلُ عَنْهُ، بَلْ يَكُونُ بِذَلِكَ مُنْقَطِعًا؛ لِأَنَّهُ مُنْتَقِلٌ، ثُمَّ لَوْ سَاغَ ذَلِكَ، لَمَا تَمَكَّنَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ مِنْ إِفْحَامِ خَصْمِهِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَلْزَمَهُ حُكْمًا، مَنَعَهُ عَلَى مَذْهَبِهِ أَوْ مَذْهَبِ غَيْرِهِ مِمَّنْ خَالَفَ فِيهِ، فَكَانَ يَنْعَكِسُ مَقْصُودُ الْمُنَاظَرَةِ؛ إِذْ هِيَ طَرِيقٌ وُضِعَتْ لِإِظْهَارِ الْحَقِّ بِاخْتِصَارٍ، وَفَتْحُ هَذَا الْبَابِ يُوجِبُ التَّطْوِيلَ وَالشَّغَبَ وَتَضْيِيعَ الْحَقِّ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِجْمَاعِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ «يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ» ، وَيَمْنَعُ التَّوَصُّلَ إِلَى إِظْهَارِهَا «لِنُدْرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ» مِنْ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>