. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: الْأَصْلُ عَدَمُ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ، فَمَمْنُوعٌ أَيْضًا فِي الشَّرْعِيَّاتِ، لِأَنَّ مَبْنَى الشَّرْعِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، وَلِهَذَا كَانَتْ «أَكْثَرُ أَدِلَّتِهِ ظَنِّيَّةً» كَالْعُمُومِ، وَالظَّوَاهِرِ، وَخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْقِيَاسِ، فَلَوْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ فِيهِ; لَكَانَ أَكْثَرُهُ وَاقِعًا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْأَصْلِ، إِذِ الْأَصْلُ فِي الْفُنُونِ جَرَيَانُ جَمِيعِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا يُمْتَنَعُ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ فِي الْمَطَالِبِ الْقَطْعِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ، لَكِنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُمْ: الْقَاصِرَةُ عَدِيمَةُ الْفَائِدَةِ.
قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ، بَلْ «فَائِدَتُهَا مَعْرِفَةُ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ» أَيْ: إِنَّهُ مُعَلَّلٌ لَا تَعَبُّدٌ، وَالنَّفْسُ إِلَى قَبُولِ الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّلَةِ أَمْيَلُ، وَإِلَيْهَا أَسْكَنُ، وَهِيَ بِتَصْدِيقِهَا أَجْدَرُ لِحُصُولِ الطُّمَأْنِينَةِ، إِذْ كُلُّ عَاقِلٍ يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ فَرْقًا بَيْنَ قَبُولِهَا نَقْضَ الْوُضُوءِ بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ، وَبَيْنَ نَقْضِهِ بِمَسِّ الْفَرْجِ، لِأَنَّ فِيهِ مُخَيَّلًا مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مَحَلَّ خُرُوجِ الْخَارِجِ النَّاقِضِ بِالنَّصِّ. وَلِهَذَا اشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ فِي مَسِّهِ أَنْ يَكُونَ بِشَهْوَةٍ لِيَصِيرَ مَظِنَّةً لِوُجُودِ الْخَارِجِ الْمُنَاسِبِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: نَحْنُ أَوَّلًا نُقِيمُ الدَّلِيلَ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ بِطَرِيقَةٍ مِنْ إِيمَاءٍ أَوْ مُنَاسَبَةٍ أَوْ تَضَمُّنِ مَصْلَحَةٍ مُبْهَمَةٍ، ثُمَّ نَنْظُرُ فِي الْمَصْلَحَةِ; إِنْ كَانَتْ أَعَمَّ مِنَ النَّصِّ، عَدَّيْنَا حُكْمَهَا، وَإِلَّا قَصَرْنَاهَا عَلَى مَحَلِّهَا، فَالتَّعْدِيَةُ فَرْعُ الصِّحَّةِ وَتَابِعَةٌ لَهَا، فَكَيْفَ يَكُونُ تَابِعُ الشَّيْءِ وَفَرْعُهُ مُصَحِّحًا لَهُ؟ .
قُلْتُ: اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، هَلْ هُوَ بِالْعِلَّةِ أَوْ بِالنَّصِّ، وَالْعِلَّةُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِمِثْلِهِ فِي الْفَرْعِ، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ، وَالثَّانِي مَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute