. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَلَى الْمُنَاظِرِ وَهُوَ الْمُسْتَدِلُّ «بَيَانُ» أَنَّهَا وَارِدَةٌ «عَلَى مَذْهَبِ خَصْمِهِ أَيْضًا» إِذْ لَا يَلْزَمُ الْخَصْمَ قَبُولُ قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ: إِنَّ الْعَرَايَا مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ عِلَّةِ الرِّبَا عَلَى كُلِّ قَوْلٍ، بِدُونِ إِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ دَعْوَى، وَالدَّعْوَى لَا تُقْبَلُ إِلَّا بِحُجَّةٍ، فَتُرْوَى لَهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِي الْعَرَايَا وَبَيَانِ كَوْنِهَا رُخْصَةً.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لِلْعِبَادَةِ: عِبَادَةٌ مَفْرُوضَةٌ، فَتَفْتَقِرُ إِلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ، فَلَا يَنْتَقِضُ ذَلِكَ بِالْحَجِّ حَيْثُ جَازَ الْإِحْرَامُ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ زِيدٌ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ نِيَّةٍ، لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ قِيَاسِ الْعِبَادَاتِ; إِمَّا لِمُحَافَظَةِ الشَّرْعِ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ حَصَلَ مَقْصُودُهُ، أَوْ تَخْفِيفًا عَنِ الْمُكَلَّفِ لِئَلَّا يَلْغُوَ حِجُّهُ، فَيَحْتَاجُ إِلَى إِعَادَتِهِ، وَرُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى إِنْشَاءِ سَفَرٍ آخَرَ لِفِعْلِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالتَّغَرُّبِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ: هَذَا الْحُكْمُ مُسْتَثْنًى عَنْ قَاعِدَةِ الْقِيَاسِ، أَوْ خَارِجٌ عَنِ الْقِيَاسِ، أَوْ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ; لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ تَجَرَّدَ عَنْ مُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ حَتَّى خَالَفَ الْقِيَاسَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ عُدِلَ بِهِ عَنْ نَظَائِرِهِ لِمَصْلَحَةٍ أَكْمَلَ وَأَخَصَّ مِنْ مَصَالِحِ نَظَائِرِهِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْسَانِ الشَّرْعِيِّ.
فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ بَيْعِ الْمَعْدُومِ، وَجَازَ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ تَوْسِعَةً وَتَيْسِيرًا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ.
وَمِنْهُ: أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَضْمَنُ جِنَايَةَ نَفْسِهِ، وَخُولِفَ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ رِفْقًا بِالْجَانِي، وَتَخْفِيفًا عَنْهُ؛ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْخَطَأِ مِنَ الْجُنَاةِ
وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ فِي الْمُصَرَّاةِ; لَمَّا كَانَ اللَّبَنُ الْمُحْتَلَبُ مِنْهَا مَجْهُولًا، فَلَوْ وَجَبَ ضَمَانُهُ بِمِثْلِهِ، لَأَفْضَى إِلَى النِّزَاعِ لِجَهَالَةِ الْقَدْرِ الْمَضْمُونِ، فَقَطَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute