للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الشَّارِعُ النِّزَاعَ بَيْنَهُمْ بِإِيجَابِ صَاعِ تَمْرٍ بِاجْتِهَادِهِ، لِأَنَّهُ مَضْبُوطٌ مَعْلُومٌ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْعَدْلِ الْعَامِّ، لِأَنَّ الشَّخْصَ تَارَةً يَكُونُ آخِذًا لِلصَّاعِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ بَائِعًا لِلْمُصَرَّاةِ، وَتَارَةً مَأْخُوذًا مِنْهُ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ مُشْتَرِيًا لَهَا، فَمَا يَقَعُ مِنَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ قِيمَةِ التَّمْرِ وَقِيمَةِ اللَّبَنِ مُغْتَفَرٌ فِي تَحْصِيلِ هَذَا الْعَدْلِ الْعَامِّ. وَقَدْ حَقَّقْتُ هَذَا فِي «الْقَوَاعِدِ الْكُبْرَى» وَالْغَرَضُ أَنَّ كُلَّ خَارِجٍ عَنِ الْقِيَاسِ فِي الشَّرْعِ فِي غَيْرِ التَّعَبُّدَاتِ، فَهُوَ لِمَصْلَحَةٍ أَكْمَلَ وَأَخَصَّ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ شَرْعِيٌّ، وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَخَصُّ مِنَ الْقِيَاسِ، وَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: مِنْ أَقْسَامِ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنِ الْعِلَّةِ، وَإِنَّمَا سَمَّيْتُهُ «النَّقْضَ التَّقْدِيرِيَّ» لِمُنَاسَبَتِهِ، وَذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ فِي إِثْبَاتِهِ، وَهُوَ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنِ الْعِلَّةِ لَا لِلْخَلَلِ فِيهَا، بَلْ لِمُعَارَضَةِ عِلَّةٍ أُخْرَى أَخَصَّ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: «رِقُّ الْأُمِّ عِلَّةُ رِقِّ الْوَلَدِ، فَيَنْتَقِضُ» عَلَيْهِ «بِوَلَدِ الْمَغْرُورِ بِأُمِّهِ» وَهُوَ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَبَانَتْ أَمَةً، فَهَذَا الْوَلَدُ حُرٌّ، مَعَ أَنَّ أُمَّهُ أَمَةٌ، فَقَدْ تَخَلَّفَ حُكْمُ الْعِلَّةِ عَنْهَا، فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: هَذَا الْوَلَدُ وَإِنْ كَانَ حُرًّا حُكْمًا، فَهُوَ «رَقِيقٌ تَقْدِيرًا» أَيْ: فِي التَّقْدِيرِ، «بِدَلِيلِ وُجُوبِ قِيمَتِهِ» عَلَى أَبِيهِ لِسَيِّدِ أُمِّهِ، وَلَوْلَا أَنَّ الرِّقَّ فِيهِ حَاصِلٌ تَقْدِيرًا، لَمَا وَجَبَتْ قِيمَتُهُ، إِذِ الْحُرُّ لَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ.

قُلْتُ: وَمَعْنَى قَوْلِنَا: تَخَلُّفُ الْحُكْمِ لِمُعَارَضَةِ عِلَّةٍ أُخْرَى، هُوَ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ تُنَازِعُهُ عِلَّتَانِ: إِحْدَاهُمَا عِلَّةُ الرِّقِّ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَالثَّانِيَةُ عِلَّةُ الْحُرِّيَّةِ تَبَعًا لِاعْتِقَادِ

<<  <  ج: ص:  >  >>