. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَجَعَلَ الْآمِدِيُّ الْوَصْفَ الْمُؤَثِّرَ مَا كَانَ مُعْتَبَرًا بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، وَالْمُلَائِمَ مَا أَثَّرَ عَيْنُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، وَجِنْسُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، وَالْغَرِيبَ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ.
قُلْتُ: وَبِالْجُمْلَةِ مَتَى رَأَيْنَا الْوَصْفَ الْمُنَاسِبَ قَدْ أَثَّرَ نَوْعًا مِنَ التَّأْثِيرِ، وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ ثُبُوتُ الْحُكْمِ لِأَجْلِهِ، وَجَبَ الْقَوْلُ بِإِضَافَتِهِ إِلَيْهِ وَرَبْطِهِ بِهِ، بَلْ نَفْسُ ظُهُورِ تَأْثِيرِ الْمُنَاسِبِ نَوْعًا يُفِيدُ الظَّنَّ الْمَذْكُورَ، كَمَنْ رَأَيْنَاهُ قَابَلَ الْإِحْسَانَ بِالْإِحْسَانِ، وَالْإِسَاءَةَ بِالْإِسَاءَةِ فِي وَقْتٍ مَا، وَلَمْ يَعْهَدْ مِنْ حَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْءٌ مِمَّا يَرْجِعُ إِلَى الْمُكَافَأَةِ وَعَدَمِهَا، غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ قَصَدَ الْمُكَافَأَةَ حَمْلًا لِتَصَرُّفِهُ عَلَى ظَاهِرِ الْحِكْمَةِ. وَهَذَا التَّقْدِيرُ يَقْتَضِي الْقَوْلَ بِالْمُنَاسِبِ الْمُرْسَلِ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: «وَقَصَرَ قَوْمٌ الْقِيَاسَ عَلَى الْمُؤَثِّرِ» إِلَى آخِرِهِ.
يَعْنِي أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِجَامِعِ وَصْفٍ مُؤَثِّرٍ فِي الْأَصْلِ ـ وَقَدْ عُلِمَ مَا الْمُؤَثِّرُ ـ وَشُبْهَتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَا لَوْ أَجَزْنَا الْقِيَاسَ بِجَامِعٍ غَيْرِ مُؤَثِّرٍ كَالْمُلَائِمِ وَالْغَرِيبِ، لَلَزِمَ التَّحَكُّمُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجَّحٍ وَهُوَ بَاطِلٌ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّا مَثَلًا لَوْ قِسْنَا النَّبِيذَ عَلَى الْخَمْرِ بِعِلَّةِ الْإِسْكَارِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ بِالنَّبِيذِ لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ تَعَبُّدًا غَيْرَ مُعَلَّلٍ، كَتَحْرِيمِ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْحُمْرِ الْأَهْلِيَّةِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُهَا لِوَصْفٍ آخَرَ مُنَاسِبٍ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الْوَصْفِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ الْإِسْكَارُ، وَإِذَا احْتَمَلَ الْمُقْتَضِي لِتَحْرِيمِهِ هَذِهِ الْأُمُورَ، كَانَ تَعْيِينُ بَعْضِهَا لِإِضَافَةِ التَّعْيِينِ إِلَيْهِ تَحَكُّمًا. وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّحَكُّمِ، فَظَاهِرٌ. وَحِينَئِذٍ يَجِبُ قَصْرُ الْقِيَاسِ عَلَى الْجَامِعِ الْمُؤَثِّرِ، لِأَنَّ تَأْثِيرَهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute