. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَقُدِّمَ السَّبْرُ تَقْدِيمَ الْمَقَاصِدِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي تَقْدِيمِ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ.
قُلْتُ: وَلَوْ حَمَلْنَا قَوْلَهُمْ: السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ عَلَى مَعْنَى سَبْرِ الْعِلَّةِ بِتَقْسِيمِ الْأَوْصَافِ، لَعَادَ إِلَى مَا قَالَهُ، إِذْ ذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّ التَّقْسِيمَ سَبَبٌ لِلسَّبْرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّا إِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ السَّبْرَ مُفِيدٌ لِمَعْرِفَةِ الْعِلَّةِ بِنَاءً عَلَى مُقَدِّمَاتٍ:
إِحْدَاهُنَّ: أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَحْكَامِ التَّعْلِيلُ، فَمَهْمَا أَمْكَنَ جَعْلُ الْحُكْمِ مُعَلَّلًا، لَا يُجْعَلُ تَعَبُّدًا.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْأَصْلَ فِي وَصْفِ الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا، فَمَتَى أَمْكَنَ إِضَافَتُهُ إِلَى الْمُنَاسِبِ، لَا يُضَافُ إِلَى غَيْرِهِ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ إِلَّا الْوَصْفَ الْبَاقِيَ بَعْدَ السَّبْرِ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ عِلَّةً بِهَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ، وَالْأُولَى وَالثَّانِيَةُ ظَاهِرَتَانِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ، وَهِيَ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ إِلَّا هَذَا الْوَصْفَ، فَدَلِيلُهَا مَا سَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ مِمَّنْ كَانَ أَهْلًا لِلنَّظَرِ لَهُ دُرْبَةٌ بِمُمَارَسَةِ الْأَحْكَامِ، وَاسْتِخْرَاجِ أَدِلَّتِهَا وَعِلَلِهَا، إِذَا اسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي طَلَبِ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ مِنْ غَيْرِهِ، أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِمَعْرِفَتِهِ، وَهِيَ كَافِيَةٌ، إِذِ الْأَوْصَافُ الَّتِي تُنَاطُ بِهَا الْأَحْكَامُ إِمَّا عَقْلِيَّةٌ: كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالرِّضَى وَالْعَمْدِيَّةِ، أَوْ مَحْسُوسَةٌ: كَالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ وَالْغَصْبِ وَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، أَوْ شَرْعِيَّةٌ: كَالطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، وَإِدْرَاكُ ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَدَارِكِهِ - وَهِيَ الْعُقَلُ وَالْحِسُّ وَالشَّرْعُ - سَبْرٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ السَّبْرَ وَالتَّقْسِيمَ طَرِيقٌ مُوَصِّلٌ إِلَى مَعْرِفَةِ الْعِلَّةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute