للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَسَادِ عِلَّةِ غَيْرِهِمَا لَا يَقْتَضِي فَسَادَهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلْ فِي اعْتِقَادِهِمَا، وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِمَا، إِذْ غَيْرُهُمَا يَعْتَقِدُ فَسَادَ عِلَّتَهِمَا كَالْمَالِكِيِّ يَعْتَقِدُ فَسَادَ التَّعْلِيلِ بِالْكَيْلِ وَالطُّعْمِ، وَيَدَّعِي عِلَّةَ الْقُوتِ، فَيَتَعَارَضُ اعْتِقَادُهُمَا وَاعْتِقَادُهُ، وَكَذَلِكَ «كَلٌّ مِنْهُمَا يَعْتَقِدُ فَسَادَ عِلَّةِ غَيْرِهِ مِنْ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ» أَيْ: يَعْتَقِدُ فَسَادَ مَا سِوَى عِلَّتِهِ، فَيَتَعَارَضُ اعْتِقَادُهُمَا، فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ.

قُلْتُ: الْقَوْلَانِ يُمْكِنُ تَنْزِيلُهُمَا عَلَى حَالَيْنِ، وَيَعُودُ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى فَسَادِ عِلَّةِ غَيْرِهِمَا، وَإِفْسَادِ أَحَدِهِمَا عِلَّةَ الْآخَرِ ; يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ عِلَّةِ مُنَاظِرِهِ جَدَلًا، لَا نَظَرًا وَاجْتِهَادًا، أَيْ: يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ عِلَّتِهِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى إِفْحَامِ خَصْمِهِ وَقَطْعِهِ فِي مَقَامِ النَّظَرِ.

أَمَّا بِالْإِضَافَةِ إِلَى إِثْبَاتِ الْحُكْمِ شَرْعًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَا، لِمَا بَيَّنَّا، وَقَدْ يَثْبُتُ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ مَا لَا يَثْبُتُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَبِالْعَكْسِ، كَحُكْمِ الْحَاكِمِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا، وَلَا يُحِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ بَاطِنًا، وَطَلَاقُ الْمُتَأَوِّلِ تَأْوِيلًا يَبْعُدُ عَنِ الظَّاهِرِ يُدِينُ فِيهِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

فَائِدَةٌ: اصْطَلَحَ الْأُصُولِيُّونَ عَلَى قَوْلِهِمْ: السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ، يَبْدَءُونَ بِالسَّبْرِ، وَالسَّبْرُ: الِاخْتِبَارُ، وَالتَّقْسِيمُ: جَعْلُ الشَّيْءِ أَقْسَامًا.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَالْأَصْلُ أَنْ يُقَالَ: التَّقْسِيمُ وَالسَّبْرُ، لِأَنَّا نُقَسِّمُ أَوَّلًا، فَنَقُولُ: الْعِلَّةُ إِمَّا كَذَا، أَوْ كَذَا، ثُمَّ نَسْبُرُ، أَيْ: نَخْتَبِرُ تِلْكَ الْأَوْصَافَ أَيُّهَا يَصْلُحُ عِلَّةً، لَكِنْ لَمَّا كَانَ التَّقْسِيمُ وَسِيلَةَ السَّبْرِ الَّذِي هُوَ الِاخْتِبَارُ أُخِّرَ عَنْهُ تَأْخِيرَ الْوَسَائِلِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>