. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، لَكِنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَدُلُّ عَلَيْهَا قَطْعًا، كَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: ظَنًّا، كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَبْنَاءِ زَمَانِنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ لَا قَطْعًا وَلَا ظَنًّا، قَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
قُلْتُ: فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا: «وَخَالَفَ قَوْمٌ» أَيْ: فِي كَوْنِ الدَّوَرَانِ مُفِيدًا لِلْعِلِّيَّةِ خِلَافٌ.
مِثَالُ ذَلِكَ الْخَمْرُ; حِينَ كَوْنِهِ مُسْكِرًا حَرَامٌ، فَهَذَا اقْتِرَانُ وُجُودِ الْحُكْمِ بِوُجُودِ الْوَصْفِ، وَلَمَّا كَانَتْ عَصِيرًا، وَبَعْدَ أَنْ صَارَتْ خَلًّا بِالِاسْتِحَالَةِ، لَيْسَتْ مُسْكِرَةً، فَلَيْسَتْ حَرَامًا، فَهَذَا اقْتِرَانُ الْعَدَمِ بِالْعَدَمِ.
وَقَدْ يَكُونُ الدَّوَرَانُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا ذُكِرَ فِي الْخَمْرِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي صُورَتَيْنِ، كَقَوْلِهِمْ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي حُلِيِّ الِاسْتِعْمَالِ الْمُبَاحِ: الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلزَّكَاةِ فِي كُلٍّ مِنَ النَّقْدَيْنِ كَوْنُهُ أَحَدَ الْحَجَرَيْنِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ دَارٌ مَعَ كَوْنِهِ أَحَدَ الْحَجَرَيْنِ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ، لَكِنَّ الدَّوَرَانَ فِي صُورَةٍ أَقْوَى مِنْهُ فِي صُورَتَيْنِ عَلَى مَا هُوَ مُدْرَكٌ ضَرُورَةً أَوْ نَظَرًا ظَاهِرًا.
قَوْلُهُ: «لَنَا» أَيْ: عَلَى أَنَّ الدَّوَرَانَ يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ هُوَ أَنَّهُ «يُوجِبُ ظَنَّ الْعِلِّيَّةِ» فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ، أَمَّا أَنَّهُ يُفِيدُ ظَنَّ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً، فَلِدَلِيلِ الْعُرْفِ وَالشَّرْعِ; أَمَّا دَلِيلُ الْعُرْفِ، فَإِنَّ مَنْ نَادَيْنَاهُ بِاسْمٍ، فَغَضِبَ، ثُمَّ سَكَتْنَا عَنْهُ، فَزَالَ غَضَبُهُ، ثُمَّ نَادَيْنَاهُ فَغَضِبَ، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ; حَصَلَ لَنَا الْعِلْمُ فَضْلًا عَنِ الظَّنِّ بِأَنَّ عِلَّةَ غَضَبِهِ ذَلِكَ الِاسْمُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا شَأْنُ الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ، وَالْأَصْلُ حَمْلُ الشَّرْعِيَّاتِ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَقُمْ فَارِقٌ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَإِنَّ الْكَسْرَ مَثَلًا يُوجَدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute