. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الِانْكِسَارُ بِوُجُودِهِ، وَيُعْدَمُ بِعَدَمِهِ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ عَلِمَ الْأَطِبَّاءُ مَا عَلِمُوهُ مِنْ قُوَى الْأَدْوِيَةِ وَأَفْعَالِهَا، كَالْأَدْوِيَةِ الْمُسَهِّلَةِ وَالْقَابِضَةِ وَغَيْرِهَا، حَيْثُ دَارَتْ آثَارُهَا مَعَهَا وُجُودًا وَعَدَمًا. وَكَذَلِكَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ نُورَ الْقَمَرِ مُسْتَفَادٌ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ لَمَّا رَأَوْهُ يَكْمُلُ بِمُقَابَلَتِهَا، وَيَنْقُصُ بِمُقَارَبَتِهَا لِغَلَبَتِهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا مِنْ بَابِ الْحَدْسِ الْمُحْتَمَلِ; إِلَّا أَنَّ مُسْتَنَدَهُ الدَّوَرَانُ، وَمُسْتَنَدُ كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَأَمَّا دَلِيلُ الشَّرْعِ، فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعَثَ ابْنَ اللُّتْبِيَّةَ عَامِلًا، فَلَمَّا عَادَ مِنْ عَمَلِهِ، جَاءَ بِمَالٍ، فَجَعَلَ يَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا لِي أُهْدِيَ لِي، فَخَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا بَالُ الرَّجُلِ نَبْعَثُهُ فِي عَمَلِ الْمُسْلِمِينَ فَيَجِيءُ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا لِي، أَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ.
وَهَذَا عَيْنُ الِاسْتِدْلَالِ بِالدَّوَرَانِ، أَيْ: إِنَّا إِذَا اسْتَعْمَلْنَاكَ، أُهْدِيَ لَكَ، وَإِذَا لَمْ نَسْتَعْمِلْكَ لَمْ يُهْدَ لَكَ، فَعِلَّةُ الْهَدِيَّةِ لَكَ اسْتِعْمَالُنَا إِيَّاكَ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ يُوجِبُ ظَنَّ الْعِلِّيَّةِ. وَأَمَّا أَنَّهُ إِذَا وَجَبَ ظَنُّ الْعِلِّيَّةِ، وَجَبَ اتِّبَاعُهُ، فَلِأَنَّ الظَّنَّ مُتَّبَعٌ فِي الْعَمَلِيَّاتِ بِمَا عُرِفَ فِي الدَّلِيلِ عَلَى إِثْبَاتِ الْقِيَاسِ مِنْ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ دَفْعَ ضَرَرٍ مَظْنُونٍ.
قَوْلُهُ: «قَالُوا» يَعْنِي الْمَانِعِينَ لِلِاحْتِجَاجِ بِالدَّوَرَانِ; احْتَجُّوا بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الِاحْتِجَاجَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِوُجُودِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصْفِ، أَوْ بِانْتِفَائِهِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ، وَهُوَ الْعَكْسُ، فَإِنْ كَانَ بِالْأَوَّلِ، فَهُوَ «طَرْدٌ مَحْضٌ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ» كَمَا تَقَرَّرَ، وَإِنْ كَانَ بِالثَّانِي كَانْتِفَاءِ التَّحْرِيمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْإِسْكَارِ، فَالْعَكْسُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute