للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَمْسُوحٍ، فَالْمَسْحُ جَامِعٌ، وَلَكِنَّهُ قِيَاسُ أَصْلٍ عَلَى بَدَلٍ، فَهَذَا هُوَ الْفَارِقُ، إِذْ مَسْحُ الرَّأْسِ أَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ، وَمَسْحُ الْخُفِّ بَدَلٌ فِيهِ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَالثَّانِي قِيَاسُ أَصْلٍ عَلَى أَصْلٍ، فَهَذَا هُوَ الْجَامِعُ، لَكِنَّهُ قِيَاسُ مَمْسُوحٍ عَلَى مَغْسُولٍ، فَهَذَا هُوَ الْفَارِقُ.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: قَوْلُنَا فِي الْوُضُوءِ: طَهَارَةٌ، أَوْ طَهَارَةٌ حُكْمِيَّةٌ، أَوْ طَهَارَةٌ مُوجِبُهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ مُوجِبِهَا، فَاشْتُرِطَتْ لَهَا النِّيَّةُ كَالتَّيَمُّمِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: طَهَارَتَانِ، فَكَيْفَ يَفْتَرِقَانِ؟ ، وَهُوَ كَقَوْلِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ.

قُلْتُ هَذَا أَجْوَدُ مَا قَرَّرَ فِي قِيَاسِ الشَّبَهِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَلِمَا قَرَّرَهُ الْغَزَالِيُّ بِمَعْنَاهُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُرِدِ الْأُصُولِيُّونَ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ هَذَا، فَلَسْتُ أَدْرِي مَا الَّذِي أَرَادُوهُ، وَبِمَ فَصَلُوهُ عَنِ الطَّرْدِ الْمَحْضِ، وَعَنِ الْمُنَاسِبِ؟ !

قُلْتُ: حَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّ الْوَصْفَ الشَّبَهِيَّ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ مُرْتَفِعًا عَنِ الطَّرْدِيِّ، وَإِلَّا لَمْ يُعْتَبَرْ بِاتِّفَاقٍ، وَمُنْحَطًّا عَنِ الْمُنَاسِبِ، وَإِلَّا لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ عِنْدَ مَنِ اعْتَبَرَ الْمُنَاسَبَةَ، وَمَنِ اسْتَقْرَأَ أَقْيِسَةَ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِالشَّبَهِ، رَأَى أَقْيِسَتَهُمْ تَارَةً يَتَخَيَّلُ فِيهَا الِاشْتِمَالَ عَلَى الْمُنَاسَبَةِ الْمَصْلَحِيَّةِ، وَتَارَةً لَا يَتَخَيَّلُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: «فَالْأَوَّلُ قِيَاسُ الْعِلَّةِ» إِلَى آخِرِهِ، أَيْ: فَالْأَوَّلُ مِنْ أَقْسَامِ الْوَصْفِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ الْمُنَاسِبُ، وَالطَّرْدِيُّ، وَالشَّبَهِيُّ.

فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْع بِالْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ هُوَ قِيَاسُ الْعِلَّةِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ فِي الْفَرْعِ بِعِلَّةِ الْأَصْلِ، كَثُبُوتِ التَّحْرِيمِ فِي النَّبِيذِ بِعِلَّةِ الْإِسْكَارِ الَّتِي ثَبَتَ بِهَا تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَإِثْبَاتُ الْقِصَاصِ فِي الْمُثَقَّلِ بِعِلَّةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>