. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قُلْتُ: فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ قِيَاسَ الدَّلَالَةِ تَارَةً يَكُونُ اسْتِدْلَالًا بِأَثَرِ الْعِلَّةِ الْمُفْرَدِ عَلَيْهَا بِلَا وَاسِطَةٍ، وَتَارَةً بِأَحَدِ أَثَرَيْهَا عَلَيْهَا بِوَاسِطَةِ الْأَثَرِ الْآخَرِ.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ، فَهُوَ مَا سَاوَى الْأَصْلَ فِيهِ الْفَرْعُ مِنْ غَيْرِ فَارِقٍ، أَوْ مَعَ فَارِقٍ غَيْرِ مُؤَثِّرٍ.
مِثَالُ الْأَوَّلِ: قِيَاسُ الْمَاءِ الَّذِي صُبَّ فِيهِ الْبَوْلُ مِنْ إِنَاءٍ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي بَالَ فِيهِ شَخْصٌ.
وَمِثَالُ الثَّانِي: قِيَاسُ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي سِرَايَةِ الْعِتْقِ، وَإِلْغَاءِ فَارِقِ الذُّكُورِيَّةِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْمِثَالُ الْأَوَّلُ رَاجِعٌ إِلَى إِلْغَاءِ الْفَارِقِ أَيْضًا لَا إِلَى انْتِفَائِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، إِذْ صَبُّ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ فِي الْفَرْعِ كَيْفِيَّةٌ يُفَارِقُ بِهَا الْأَصْلَ، لَكِنَّهَا مُلْغَاةٌ، فَكَيْفَ جَعَلْتُمُوهَا قِسْمَيْنِ؟
فَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَارِقَ فِي صُورَةِ الْعِتْقِ بِالذُّكُورِيَّةِ يُمْكِنُ أَنْ تُقَرَّرَ مُنَاسَبَتُهُ عَلَى مَا سَبَقَ، بِخِلَافِ الْفَارِقِ فِي صُورَةِ الْبَوْلِ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُقَرَّرَ لَهُ مُنَاسَبَةٌ.
ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْقِيَاسَ يَنْقَسِمُ إِلَى قَطْعِيٍّ - كَمَا ذَكَرْنَا -، وَإِلَى ظَنِّيٍّ، كَقِيَاسِ إِضَافَةِ الطَّلَاقِ إِلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ عَلَى إِضَافَتِهِ إِلَى جُزْءٍ شَائِعٍ، كَقِيَاسِ قَوْلِهِ: يَدُكِ طَالِقٌ، عَلَى قَوْلِهِ: نِصْفُكِ أَوْ ثُلْثُكِ أَوْ رُبُعُكِ طَالِقٌ، لِأَنَّ هَذَا جُزْءٌ وَهَذَا جُزْءٌ، إِذِ الْفَرْقُ فِي هَذَا يَحْتَمِلُ التَّأْثِيرَ بِأَنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ جُعِلَ مَحَلًّا لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ كَالْبَيْعِ وَالرَّهْنِ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ، بِخِلَافِ الْفَرْقِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ تَأْثِيرَهُ لَا يَظْهَرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute