للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اجْتِهَادُ مُجْتَهِدٍ إِلَى طَرْدِ الْقِيَاسِ فِي بَقِيَّةِ الْوَاجِبَاتِ، وَأَمْكَنَ أَنْ يَأْتِيَ بِدَلِيلٍ أَوْ شُبْهَةٍ يُعْذَرُ بِهَا الْمُجْتَهِدُ، كَانَ لَهُ طَرْدُهُ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّ فُرُوضَ الْأَعْيَانِ لَا تُقْبَلُ الِاسْتِنَابَةُ فِيهَا، وَلَا الْحَوَالَةُ بِهَا عَلَى غَيْرِ مَنْ خُوطِبَ بِفِعْلِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِفَسَادِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ فِي نَفْسِهِ، بَلْ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْحَوَالَةَ إِنَّمَا تَنْقُلُ الْحَقَّ، وَتَبْرَأُ بِهَا ذِمَّةُ الْمُحِيلِ بِشَرْطِ رِضَى صَاحِبِ الْحَقِّ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ رَضِيَ بِنَقْلِ حَقِّهِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ الْمَعْلُومُ عَدَمَ رِضَاهُ لِتُوَجِّهِ النُّصُوصِ الْقَاطِعَةِ إِلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ بِعَيْنِهِ بِأَدَاءِ مَا خُوطِبَ بِهِ.

وَأَمَّا مَنْ لَا يَشْتَرِطُ رِضَى صَاحِبِ الْحَقِّ فِي الْحَوَالَةِ، فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ لِقِيَامِ الْفَارِقِ، وَهُوَ أَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ الْمَقْصُودُ مِنْهُ أَدَاؤُهُ، لَا تَعْبُّدُ عَيْنِ الْمُؤَدِّي لَهُ بِهِ، فَيَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ أَمْرَانِ: أَدَاؤُهُ وَتَعَبُّدُ الْمُكَلَّفِ بِهِ عَيْنًا، وَهُوَ أَعَمُّ الْأَمْرَيْنِ. فَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ أَدَاؤُهُ بِنَائِبٍ، وَلِهَذَا لَمَّا لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ تَعَبُّدُ الْأَعْيَانِ بِهِ، قَامَ الْبَعْضُ فِيهِ مَقَامَ الْبَعْضِ، فَهَذَا مَقْصُودُ الْكَلَامِ عَلَى لَفْظِ «الْمُخْتَصَرِ» .

وَأَشَارَ الْقَرَافِيُّ فِي «مُخْتَصَرِهِ» إِلَى أَنَّ فِي دُخُولِ الْقِيَاسِ فِي النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ أَقْوَالًا ثَالِثُهَا الْمَذْكُورُ فِي «الْمُخْتَصَرِ» وَهُوَ دُخُولُ قِيَاسِ الِاسْتِدْلَالِ فِيهِ دُونَ قِيَاسِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي «الْمُسْتَصْفَى» وَ «الرَّوْضَةَ» وَقَدْ ذَكَرْتُ تَوْجِيهَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>